الموقع قيد التحديث!

هذه الدُّنيا الفانية

بقلم الشّيخ الدّكتور جمال فرحان قبلان
بيت جن

   يتشبّث معظم النّاس بهذه الدّنيا الفانية بقوّة وكأنّها أبديّة باقية لا نهاية لها، فيكدّون ويجدّون من أجل الجاه وجمع المزيد من المال والأملاك، آملين أن يحقّقوا لأنفسهم ولأبنائهم وحفدائهم من بعدهم حياةً سعيدة مطمئنة فيشقون بكدحهم وأطماعهم، وقد يتنكّر الابن لأبيه، والأخ لأخيه، وابن العم لبني عمومته، والجار لجاره، وقد يقتتلون من أجل دنيا فانية وحطام بالٍ، لجهلهم، إنّ هذه الدّنيا ليست في الحقيقة عند الله سوى متاع الغرور، وإنّها لا تستحقّ هذه التّضحيات، وهذا الشّقاء وإنّ الإنسان فيها ضيف سيرتحل عنها عندما يوافيه أجله وتفاجئه المنيّة، ساعتئذ سيتخلّى مرغمًا عن كلّ ما جمعه في دنياه من مغرياتها، ولن يرافقه في رحلته الأخرويّة سوى حسناته أو سيّئاته وأعماله الخيريّة أو الشّرّيرة ونواياه الطّيّبة أو الخبيثة ليقابل بها ربّ العالمين في يوم حساب عسير على الكافرين، يسير على المؤمنين.

أخي القارئ الكريم:

قال الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاريّ رضي الله عنه وأرضاه:

(الدُّنيا سجن المؤمن، والقبر بيته، والجنّة مأواه) وقال أيضا: (الدّنيا جنّة الكافر، والقبر بيته، والجحيم مأواه) تمعّن أخي واختر المأوى الّذي ستعمل من أجله، وتدبَّر عبارات أبي ذرّ هذه علّك تتّعظ بها … وأرجو أن تقرأ ما قالته الشّاعرة اللّبنانية وردة ناصيف اليازجي واصفة الدُّنيا:

(يا حاسبا دنياك دارَ قرارِ

            أقصِرْ عَناك فتلك أخبثُ دَارِ)

(لا تستقرُّ بها النّفوس ولا ترى

            قلبًا بلا غمٍ ولا أكدارِ)

(دنيا غرورٍ كلّما طالَ المَدَى

            طالَ الغرورُ بمكرِها الغَرّارِ)

أخي وفقك الله

سُمّيت الدُّنيا بهذا الاسم لحقارة قيمتها ودناءة منـزلتها عند الله سبحانه وتعالى فازهد بها ولا تطمع فيها واعرض عنها محتقِرًا لها واسمع ما قاله فيها الفيلسوف أبو حيان التّوحيديّ: “الدُّنيا في نظره لا تستحقّ النّدم عليها والحسرة على ما فاته منها فهي دار فناء زائلة … وهو يشبّهها بالعجوز الشّمطاء السّليطة المتحكّمة، بل هي أجنى على الإنسان من مثل هذه المرأة” فيقول: (متى ظفرتَ بها فاذبحها فإنّك إن لم تذبحها ذبحتك ومتى قامت بإزائك فافضحها فإنك إن لم تفضحها فضحتك).

وأخيرًا أرجو ألّا يفهم أخي القارئ العزيز أني أدعوه إلى الكسل والتّواكل … لا ليس هذا ما قصدت بل أنصحه ألّا يشقيَ نفسه من أجل الاستزادة من متاع هذه الدّنيا ظانًّا أنّه سيحقّق مبتغاه وسيصل يومًا إلى السّعادة الّتي يرجوها من دون العمل من أجل آخرته حين يقابل وجه ربّه جلّ وعلا بل أذكِّره بالقول المأثور: “اِعمل لدنياك كإنّك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا). فليعمل الإنسان لضمان ما يحتاجه من هذه الدّنيا ليقيم أوده فيها بالصّدق والأمانة والعفّة والطّهارة والقناعة وبما نصّت عليه ودعت إليه الأديان في الكتب المقدّسة ليقوم بواجباته الدّينيّة والدُّنيويّة وليعلم أن ما عند الله خير وأبقى. 

مقالات ذات صلة:

مُقتطفاتٌ مِن كتاباتِ جاك دِي ڤتْرِي

مُقتطفاتٌ مِن كتاباتِ جاك دِي ڤتْرِي، مُطرانِ عكَّا خلال الفترة الصَّليبيَّة، حولَ عكَّا وأَوضاعِها الاجتماعيَّة وسُكَّانِها، وسُكَّانِ مُحيطِها؛ المُسيحيِّيِّن المحليِّيِّن

القائد شكيب وهّاب

1890 – 1980 وُلد شكيب وهّاب في بلدة غريفة اللبنانيّة عام 1890. عند بلوغه السادسة من عمره دخل المدرسة في