باحثة ومحاضِرة في جامعة حيفا، حازت على درجتَي دكتوراه: الأولى في علم النّفس من جامعة حيفا، والثّانية في دراسة الأديان من جامعة أوبو أكاديمي في فنلندا
الدّكتورة سوسن خير من بلدة البقيعة سلكت طريقًا أكاديميًّا غير تقليديّ، حيث حازت على درجتَي دكتوراه: الأولى في علم النّفس من جامعة حيفا، والثّانية في دراسة الأديان من جامعة أوبو أكاديمي Åbo Akademi في فنلندا، ضمن مسار دراسة لدكتوراه مزدوجة.
ركّزت أطروحتها على دراسة الهويّة الدّينيّة المعاصرة لدى الطّلاب الجامعيين المسلمين والدّروز في إسرائيل، من خلال عدسة مقارِنة تسلّط الضّوء على التّناقضات بين التّقاليد والحداثة، وتأثيرات وسائل التّواصل الاجتماعّي والتّكنولوجيا على الهويّة الدّينيّة. خلال سنوات دراستها، نالت سوسن عدّة منح وجوائز بحثيّة تنافسيّة في إسرائيل وخارجها، بفضل جودة مشروعها وحداثته.
لقد انطلقت دراستها من مجموعة من الأسئلة الجوهريّة، مثل: كيف تعرّف الشّبيبة مفهوم التّديّن اليوم؟ وما هو الدّور الّذي تلعبه التّكنولوجيا والعلمانيّة في تشكيل ممارساتهم الدّينيّة وهوّيّاتهم الثقافيّة؟ وهل تختلف تعابير التّديّن بين الدّروز والمسلمين في ظلّ الحداثة؟ أظهرت النّتائج أنّ التّديّن لدى هذه الفئة هو مركَّب ومتعدِّد الأبعاد، يجمع بين الالتزام والانتقائيّة، وبين التّقليد والتّجديد، ويُظهر مرونة كبيرة في التّفاعل مع التّحدّيات اليوميّة والمعايير الاجتماعيّة والدّينيّة. وقد تمحورت النّتائج حول ثلاث قضايا مركزيّة: أنماط التّديّن المعاصر، دور الدّين في الحياة اليوميّة، وتأثيرات الحداثة على ممارساتهم وخياراتهم، مع إبراز دور الدّين كإطار للمعنى، وآليّة للحماية النّفسيّة وتعزيز الهويّة الذّاتيّة، في ظلّ واقع معقّد من التّغيرات الاجتماعيّة والسّياسيّة.
جاءت هذه الأطروحة استكمالًا لمساهمة الدّكتورة سوسن في المشروع البحثيّ العالمّي المعروف باسم “الشبيبة والدّين بمنظور عالميّ” YARG – Young Adults and Religion in a Global Perspective، وهو مشروع دوليّ شاركت فيه جامعات من ١٣ دولة في أنحاء العالم، يركّز على دراسة أنماط التّديّن والهويّة الدّينيّة لدى الشّبيبة في سياقات متنوِّعة. قامت الدّكتورة سوسن بجمع وتحليل البيانات الميدانيّة الخاصّة بالمجتمع العربيّ بإسرائيل، بالاعتماد على أدوات بحثيّة شاملة ونوعيّة. وقد أظهرت نتائج المشروع أنّ الشّبيبة لا تتعامل مع الدّين كمنظومة مغلقة، بل كعنصر تفاوضيّ، يتكيّف مع قِيَم العصر ويتفاعل مع قضايا الهويّة والانتماء، سواء داخل الأغلبيّة أو الأقلّيّات.
وقدّمت الدّكتورة سوسن نتائج أبحاثها في مؤتمرات علميّة مرموقة حول العالم: من فنلندا، سويسرا، السّويد، بلجيكا وإيرلندا إلى الولايات المتّحدة، حيث شاركت في أكتوبر الماضي في المؤتمر السّنويّ الأكبر عالميًّا لدراسة الدّين Society for the Scientific Study of Religion، وأثناء وجودها هناك تلقّت دعوة لإلقاء محاضرة ضيف في جامعة بيتسبرغ.
لم تخلُ مسيرة الدّكتورة سوسن الأكاديميّة من التّقدير المحليّ، فقد حصلت وللسّنة الثّانية على التّوالي منذ بداية عملها كمحاضرة (2022–2023 و2023–2024) على جائزة “محاضِرة متفوّقة” من كليّة العلوم الإنسانيّة في جامعة حيفا، تكريمًا لتفوّقها في التّدريس والبحث والإرشاد الأكاديمّي.
كما ولم تقتصر إنجازاتها على التّعليم والبحث فقط، بل نشطت الدّكتورة سوسن أيضًا في مجال التّمكين المجتمعيّ، لا سيّما في دعم النّساء وتعزيز مكانتهنّ في المجتمع، عبر محاضرات وورشات تثقيفيّة للشّابات والطّالبات، تركّز فيها على التّوازن بين الحياة الأسريّة والمهنيّة، وتقدّم أدوات عمليّة للتّعامل مع التّحدّيات النّفسيّة والاجتماعيّة، فهي أيضًا أمّ لطفلتين.
وإلى جانب عملها الأكاديميّ والتّدريسيّ، تتابع الدكتورة سوسن خير اليوم عدّة مشاريع بحثيّة جديدة تعكس التزامها المستمرّ بقضايا المجتمع، الدّين والصّحّة النّفسيّة. فهي تقود حاليًّا مشروعًا بحثيًّا حول الدّين والجندر في المجتمع الدّرزيّ، بإشراف دفيئة حيفا لدراسة الأديان، حيث تسعى إلى استكشاف التّحوّلات المعاصرة في وجهات النظر نحو العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية من منظور داخليّ. كما تعمل كمساعدة بحث مع البروفيسور هشام أبو رَيّا، جامعة حيفا، في عدّة مشاريع بحثيّة تتعلّق بالتّعدّديّة الثّقافيّة، وتشارك كذلك في مشروع مشترك مع الباحثة نوريت نوفيس دويتش، جامعة حيفا، يبحث في المعاني الّتي نسبها النّاس لجائحة الكورونا على الصّحّة النّفسيّة في المجتمع الاسرائيليّ، وأيضًا المجتمعان الفنلنديّ والتركيّ.
مؤخّرًا، انضمّت الدّكتورة سوسن إلى البروفيسور ألان هارتمان، جامعة حيفا، وفريق بحث من أستراليا، لمشروع بحثيّ يتمحور حول الدّعم النّفسيّ والاجتماعيّ الّذي تتلقّاه الأمّهات والآباء خلال فترة الحمل والولادة، مع الترّكيز على كيفيّة التّعامل مع التّحدّيات الصّحّيّة، المؤسّسيّة، والعائليّة في هذه المرحلة الحسّاسة.
قصّة الدّكتورة سوسن خير هي قصّة امرأة قويّة اختارت أن تؤمن بنفسها، وتسير بثبات في طريق محفوف بالتّحدّيات، فحوّلت كلّ عقبة إلى فرصة، وكلّ تجربة إلى مشروع، وكلّ صوت إلى خطاب يحفّز على التّغيير.
أسرة “العمامة تبارك للدّكتورة سوسن مشوارها التّعليمي وتتمنى لها دوام التألُّق والتّميزُّ والنّجاح والتّوفيق في كلّ مشاريعها الحاليّة والمستقبليّة. v
