الموقع قيد التحديث!

مقتطفات من سيرة الطّائر الغريب فضيلة الشيخ أبو يوسف صالح قضماني

بقلم الشيخ أبو رضا حسين حلبي
دالية الكرمل

وُلد فضيلة الشّيخ أبو يوسف صالح في قرية يركا بتاريخ 5\10\1951 في الجليل الغربي، تربّى وترعرع في بيت المرحوم الشّيخ العالم التقيّ المجاهد الشّيخ أبو قاسم محمد القضماني رحمة الله عليه. وقبل ولادة الشّيخ أبو يوسف صالح بأيّام، جاء طائر الحمام المهاجر وبقي يقف على سطح المنزل وعلى شبّاك غرفة ولادته، وبعد أسبوعيْن من ولادته هاجر الحمام من محيط المنزل وتبشّر المشايخ بأنّه إشارة لقدوم شيخ ووليّ من أهل الخير والفضل. ويوم ولادته بالتّأكيد ظهرت الكرامات للمولود الجديد حيث يتوارث أبناء ومشايخ يركا قصّة مألوفة بالبلد حيث كان “مخضر” أي المسؤول عن الأحراش في البلد ويُدعى “فياّض شوّاح” وكان معروفًا عنه التّشدّد. وكما يُقال: “يضرب بيد من حديد”…ولا يمكن أن يسامح أحدًا ممّن خالف قوانين المحافظة على الأحراش… من قطع الأشجار أو غيره وهذا المسؤول أي “فيّاض شوّاح” كان وفيًّا مخلصًا في عمله، يختبئ بين الأشجار ويتربّص للمخالفين.

وفي يوم من الأيّام وكعادته وقف على رأس التلّة فوق الوادي يراقب ويتربّص، وفجأة رأى كتلة من نور تختفي وتظهر بين الأشجار، فقرّر ملاحقتها مسرعًا لكنّ خِبرته الواسعة لم تسعفه ليصل إليها، ووصل إلى البلدة، وكتلة النّور أمامه يراها، حتّى وصل إلى باب بيت المرحوم الشّيخ أبو قاسم والد الشيخ صالح فدخلت كتلة النور من تحت بابه… فطرق الباب وفتح له الشيخ أبو قاسم قائلًا له: تفضّل. وسأله عن سبب الزيارة فقال: يا شيخ كذا وكذا… هل رأيت هذه الكتلة تدخل بيتك؟! فأجابه: “لعلّه خير وكل الخير إسّا الحُرمة خلّفت مولود ذكر ان شاء الله نتبشّر فيه ويكون من أهل الخير”. وكان المولود هو الشيخ أبو يوسف صالح القضماني الذي ولد في تاريخ 5/10/1951 وظهرت له الكرامة في يوم ولادته…أطال الله عمره ونفّعنا من بركاته.

التحق فضيلته بالدّين منذ نعومة أظفاره، وتفرّس به المرحوم سيّدنا الشّيخ أمين وقال عنه: بأنّه مُحملٌ من أجيال سابقة. وأسماه “الطائر الغريب”، وتربّى تربية دينيّة محضة على يد المرحوم والده العالِم الديّان صاحب الفكر المنير حبيب الأجاويد رحمه الله.

تربّى وترعرع فضيلة الشّيخ أبو يوسف صالح في بيت والده الـمرحوم الشّيخ أبو قاسم محمــد قضماني (1894-1978)، الذي كان من المشايخ الأتقياء الثّقات، وعالمًا عاملًا. وبقي الشّيخ أبو يوسف صالح في البيت إلى جانب والده، ليتعلّمَ أسس الدّين، وليتمكّن من حفظ كتاب الله العزيز، والتوسّع في فهم العلوم الدّينيّة، وليتعلّم الخط النّسخيّ، فتعلّمه وأتقنه، ويقال إنّ مخطوطاته من أهمّ وأدقّ ما عُرف ببلادنا ليومنا هذا، وهو لا يتجاوز العشرين من العمر، وقد أنهى الدراسة الابتدائية في يركا، ومن ثمّ الإعداديّة والثانويّة في كفر ياسيف – فرع الفيزياء والكيمياء واللغة الإنجليزيّة، ومن بعدها تمركز في يركا بجانب المرحوم والده، ومشايخ الطائفة، في مقدّمتهم المرحوم سيدنا الشيخ أبي يوسف أمين طريف، حيث كانت تتبادل الزيارات واللقاءات الأخويّة الأسبوعيّة تقريبًا بينهم، وقد كان هناك صداقة متينة بين سيدنا الشيخ أبي يوسف أمين طريف والمرحوم والده، وتكمّل الشيخ أبو يوسف صالح بالكريمة المباركة ما يقارب عام 1973 وكان متأثّرًا بأصدقاء المرحوم والده من مشايخ الجليل والجولان والكرمل ورافقهم وتذاكر معهم وكسب الخير والعلم منهم. وفي العقد الثامن عمل بالكتابة وبالخط النّسخي خاصّة، وعمل كذلك في تلك الفترة نحّالًا يجني العسل، ويعتاش من هذه الصّنعة، وهو مستمرّ في ذلك حتّى يومنا هذا.

وقد سافر إلى خلوات البياضة في لبنان بعد عام 1985 للتّعمق في العلوم الدّينيّة ومكث في خلوته آنذاك -خلوة يركا- فبرز بمسلكه الدّقيق وورعه وتفقّهه في الدّين وتفرّس به المشايخ الأفاضل أمثال فضيلة الشيخ أبو حسن عارف حلاوة وفضيلة الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين، والمرحوم الشيخ أبو فندي جمال الدين شجاع والعديد من مشايخ لبنان، ووقّروه، وميّزوه، وكرّموه.

وقد تأثّر الشيخ أبو يوسف صالح كثيرًا بالمرحوم الشيخ العالم التّقيّ الزّاهد الشّيخ أبو سليمان علي القضماني راشيا والمرحوم الشيخ أبو صالح سلمان القضماني صهره وأُعجب بعلمهم وزهدهم ومسلكهم الطّاهر. وقد شهد المرحوم الشيخ أبو سليمان علي لمسلك الشيخ أبي يوسف صالح الدّقيق ولعلمه ومنهجه المسدّد وأسماه “منارة العلم والمسلك”.

وتمّ تلبيسه العباءة المُقلمة بتاريخ 3\10\1978 يوم وفاة والده المرحوم الشيخ أبو قاسم محمد عندما كان عمره ما يقارب الستة وعشرين عامًا على يد المرحوم سيّدنا وسيد الجزيرة الشيخ أبو يوسف أمين طريف والمرحوم الشيخ أبو محمود سلمان أبو صالح، وبمباركة من جميع المشايخ الثقات، والرّكائز الدينيّة للطائفة بالجليل والكرمل والجولان.

لقد جمعت علاقة أخويّة بين المرحوميْن فضيلة سيدنا الشيخ أمين طريف ووالده الشيخ أبو قاسم محمد ومن خلال هذه العلاقة تعرّف شيخ العشيرة وسيد الجزيرة سيّدنا الشيخ أمين عليه منذ حداثة سنّه. ومع مرور الزمن وتطوّر هذه العلاقة أضحى سيدنا الشيخ أمين المعلِّم والمؤشِّر والسند بالنسبة للشيخ أبو يوسف صالح الذي لا يزال إلى يومنا هذا يستند بحزم وبإصرار بكلّ قولٍ أو خاطرة أو كلمة أو توجيه من المرحوم سيدنا الشيخ امين.

وفي الثمانينات من القرن الماضي، ولمّا كان بستان الخلوة في قرية جولس مليئًا بالمخطوطات الثمينة، بعضها من عهد سيدنا الشيخ علي فارس رضي الله عنه وقد اهترأ قسم كبير من الأوراق والمخطوطات لقدمِها، طلب المرحوم سيدنا الشيخ أمين من الشيخ أبو يوسف صالح ان يفحص إذا بالإمكان تصليح بعض هذه المخطوطات. لبّى الشيخ أبو يوسف صالح طلب سيدنا الشيخ وبعد بضعة أشهر، في اجتماع عُقد عند المرحوم سيدنا الشيخ أمين حضره لفيف من المشايخ من يركا وباقي القرى وكذلك الشيخ أبو يوسف صالح ومعه المخطوطات بعد أن قام بجهد كبير وتمكّن من تجديدها. وعل التوّ أخذ المرحوم سيدنا الشيخ أمين المخطوطات وتأمّلها وتصفّحها وتنهّد وقال أمام جميع المشايخ الحاضرين: “أُقسم أنّك تستطيع أن تكون الكاتب عند الإمام العظيم صلى عليه وسلّم”.

نبذة موجزة عن عائلته:

أمّا والده الّذي انتقل للسّكن من بلدة مجدل شمس إلى يركا بعد ثورة عام 1925، فكان من أهمّ الأصدقاء الثّقات للمرحوم سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف رحمه الله. فقد رافق المشايخ والأسياد في خلوات البيّاضة الشّريفة، ومشايخ وأسياد جبل العرب، وكان مع المحاربين والمجاهدين أثناء الثورة السوريّة الكبرى، وشارك في المعارك، وجُرِح ثلاث مرّات، خاصّة في معركة المزرعة، وكان قد تتلمذ منذ صغــره عـلى يــد المرحوم فضيلة الشّيخ أبو محمد سعــيد الحجلة مـا يقارب الستّ سنوات، وتأثّـر كثيرًا، وحزن حزنًا شديدًا، عندما فُقِد جثمانه الطاهر بحرب الجبل عام 1925. تُوفي والده المرحوم الشيخ أبو محمد قاسم قضماني (جدّ الشيخ أبو يوسف صالح)، وكان عمر الشيخ أبو قاسم محمد أحد عشر عامًا فعمل من بعد وفاة والده بالنّجارة والحدادة، وصنع الخناجر المجدلانيّة، وقد احتضنه آنذاك مشايخ الجولان ومجدل شمس، وعلى رأسهم المرحوم الشّيخ العالم أبو أحمد طاهر أبو صالح ومشايخ الجولان، فاحتضنوه كإبنٍ لهم، وكان يرافقهم بالاجتماعات كلّها، والزيارات الدينيّة للبنان وسوريا، وكسب منهم الكثير من العلوم الدّينيّة، وتكمّل بالكريمة المباركة، وكان عمره خمسة عشر عامًا (ولم يجبره عليها أحد أبدًا)، وعن طريق المزاح بحيث بدأت تنمو ذقنه، قال له المشايخ على سبيل الفكاهة: “مبروكة الكريمة” وأخذها بالجد منذ ذلك الحين. ومن بعد ذلك سافر من مجدل شمس إلى جبل العرب (السويداء)، وإلى الشّام، ليعيش مع والدته التي اقترنت من شيخ قريب له، وهو زوج عمّته سابقًا، المرحوم الشيخ أبو يوسف عباس الزغير، وتتلمذ آنذاك على يد المرحوم فضيلة الشيخ ابو محمد سعيد الحجلة رحمه الله، وأخذ عنه العلوم الدّينيّة، والمسالك السنيّة، ومن بعدها تقريبًا عام 1915 سافر إلى خلوات البيّاضة الشّريفة في حاصبيا وبقي فيها ما يقارب العشر سنوات حتى أنهى دراسة وحفظ المصحف الكريم، وهناك تعرّف على المرحوميْن؛ سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف والمرحوم الشيخ علي حماده طريف، جدّ فضيلة الشّيخ أبو حسن موفق طريف الرئيس الرّوحي للطائفة الدّرزيّة وكانا له أخوة، وتعلّق بهما تعلّقًا شديدًا حتّى غديَا من أعزّ أصدقائه رحمهم الله جميعًا. وبالفترة ذاتها تعرّف على المرحوم الشيخ أبو علي مهنا حسّان شيخ البيّاضة، وكانت تربط بينهما علا قه قويّة كأنّهما أخوَان، وعملا سويًّا بالبناء كشركاء في منطقة حاصبيا. وتعرّف أيضًا على المرحوم الشيخ أبو فندي جمال الدين شجاع، وتطوّرت العلاقة بيْنهما مشدودة بأواصر المحبّة والوفاء، ولبّى نداء الثورة العربية عام 1925 بقيادة المغفور له سلطان باشا الأطرش، وكان من المجاهدين البواسل فيها.

وأمّا آل قضماني فهم ينتسبون إلى قبيلة بني شيبان من اليمن، وانتقلت في حينها إلى العراق، وبعدها إلى جبل السُّمّاق، لبلدة “كوكو وقلب لوزه ” ومن بعدها تمركزت في راشيا في القرن الثّالث عشر ميلادي وبُنِيت خلوة للعبادة تخصّهم في راشيا، ومن هناك تفرّعت العائلة من بعد راشيا لجبل العرب، ليسكنوا بلدة “شقا وقنوات والسويداء” مع نزوح العائلات الدّرزيّة بعد معركة عين دارة. وقد انتقل جدّه والد المرحوم الشيخ أبو قاسم عبّاس القضماني من راشيا في لبنان إلى مجدل شمس الجولان وكان اسمه الشيخ أبو قاسم عبّاس القضماني، واستقرّ بمجدل شمس وأنجب شيّخيْن؛ المرحوم الشيخ أبو محمد قاسم القضماني جد الشيخ أبو يوسف صالح والمرحوم الشيخ أبو حسين يوسف القضماني والد المرحوم الشيخ أبو يوسف حسين القضماني مجدل شمس. والمرحوم الشيخ أبو قاسم محمد، والشّيخ العالم العلّامة المرحوم الشيخ أبو يوسف حسين القضماني هم أولاد العمّ والخالات اللّزم من حيث جدّهم من ناحية الأم المرحوم الشيخ عبد السلام عزام من بلدة معاصريتي الشوف، حيث ترك الشوف وقدم إلى الجولان آنذاك مع بناته الأربع المصونات لكي يأهلهنّ من أهل الدّين الأتقياء. وتمّ تأهيل اثنتين من بناته لمشايخ من عائلة أبي عواد في بقعاثا واثنتين لبيت القضماني في مجدل شمس منهم المرحومة والدة الشيخ أبو قاسم محمد، ووالدة المرحوم الشيخ أبو يوسف حسين القضماني مجدل شمس، وانتقل نجله الشيخ أبو قاسم من الجولان إلى يركا تقريبَا عام 1927 بحيث دُعِي الى بلدة جولس بأمر وطلب من المرحوم سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف رحمه الله ليسكنه جنبَه في جولس مع تأمين الأرض والمنزل والعمل، لشدّة حبّه وإعجابه به، بعد تعرّفه عليه في خلوات البياضة، ولكنّ الشيخ أبا قاسم تعذّر من المرحوم سيدنا الشيخ أمين، وطلب منه أن يسمح له بالسّكن في قرية يركا لإحساس خاصّ جميل عنده تجاه قرية يركا عندما رآها في المرّة الأولى وعبر منها إلى جولس. وسكن في قرية يركا وأحب مشايخ يركا لكرمهم وبساطتهم وصغر نفوسهم وبركتهم وأحبّوه وأُعجِبوا بفكره وعلمه الديني كثيرًا، وثقافته وتواضعه ومنزلته الدينيّة، حتى أطلق عليه أهل يركا جميعًا لقب “الشيخ” وأصبح مرجعًا دينيّا واجتماعيًّا أساسيًّا لأهل البلد كلّها مع مشايخها الكرام رحمهم الله. وكان يعمل بنسخ كتاب الله العزيز، والبناء والنّجارة والحدادة وتصليح ماكينات الخياطة وغيرها، ممّا كسبه من خبرة أثناء عمله بالشام ولبنان، وعمل بمهنته بالكرمل وعسفيا، وتعرّف على المرحوم فضيلة الشيخ أبو حسن منهال منصور ومشايخ عسفيا آنذاك المرحوم الشيخ أبو صالح ريدان والمرحوم الشيخ أبو كمال نجيب الشيخ. وأوصاه المرحوم سيّدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف مع مشايخ جولس الاقتران من السّت الفاضلة الدّيانة أم قاسم عفيفة صالح نبواني رحمها الله بنت عم زوجة سيدنا المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف وشقيقها يكون المرحوم الشيخ أبو صالح زيدان نبواني وكوّنوا أسرة كريمة تتألّف من ستة صبيان وابنتين.

وكان المرحوم متبحّرًا في الدّين ومنفتحًا بعقله النّيّر على الآخرين، ولكنّه كان متشدّدًا في تربية أولاده، فقد علّمهم أن يتّخذ كلّ واحد منهم صنعة ليكسب بها معيشته، فزاولوا مهنة الوالد الحدادة والنّجارة والعمار، وخرج بعض الإخوة إلى ميدان العمل بعيدًا في البحر الميت وسيناء، لينشئوا مصانع الحديد في يركا على يد الشّيخ أبي منير سلمان والمرحوم الشّيخ أبي محمد علي وإخوانه المرحوم أبي أمل سليمان والشّيخ أبي رائف قاسم وأخيهم أبي حمد سعيد. وكان لهم دور فعّال وغيرة ونخوة معروفيّة راسخة في خدمة أهلهم في الجولان ما بعد الحرب، وفي خدمة أبناء الطائفة في لبنان بعد حرب عام 1982 وخصوصًا المرحوم الشيخ أبا محمد علي القضماني الّذي كان له الدور الكبير آنذاك رحمه الله. والمتوفي عام 2011.

ونعود إلى فضيلة الشيخ صالح القضماني فإنّه يعدّ اليوم أحد أبرز الرّموز الدّينيّة في بلاد الشام، ومرجعًا دينيًّا كبيرًا في البلاد، وهو منذ الصّغر لا يتدخّل إلّا في الأمور الدّينيّة ولا يشغل نفسه بالأمور السياسيّة الدّنيويّة بتاتًا. وهو ينظر بقلق واسع واهتمام يوميّ في هذه الأيّام إلى أوضاع الطائفة على الأراضي السّوريّة واللبنانيّة والمنطقة، ويبارك بكلّ المساعي لمساعدة الأهل في جبل لبنان والرّيّان، وجبل السمّاق وجبل الشيخ.

من أهمّ سماته وصفاته هي: صدق اللسان وحبّ الإخوان الصّالحين والمحافظة عليهم وحسن الظّنّ بهم، والدِّقّة بالحديث والاستناد، وقلّة الكلام والمجاهدة بالعبادة، وطلب العلم وتعزيز أخبار وقصص السّلف الصّالح.

قصة سمعتها عن لسان الشيخ أبي يوسف صالح القضماني ومشايخ بقعاثا:

إنّها قصّة سمعتها عن لسان الشيخ أبي يوسف صالح القضماني السّادق الأمين، وأيضًا من مشايخ بقعاثا، وقد لفتت نظري واسترعت اهتمامي فأحببت أن أكتبها، وهي قصة شيخ من آل عبد السلام من لبنان كانت له عائلة مكوّنة من زوجة صالحة وأربع بنات كريمات مصونات طاهرات، اتّبعن َدرب التُّقى والدين حتى بلغن سن الزواج، ولديهنّ أقارب ولكن لم يسلكوا طريق الدين والتقوى، فرفض أبوهنّ أن يزوجهنّ من أقاربه المذكورين. ولمّا رأى أن قراره الصائب هذا سيخلق له متاعب ويشكّل خطرًا عليه وعلى عائلته وبناته، شدّ الرحيل في ذات ليلة وفرّ مع عائلته إلى قرية مجدل شمس، وترك قنديل بيته مضاء حتّى لا يشعر أقاربه برحيله، وفي صباح ذاك اليوم أفاق أهل قرية مجدل شمس ووجدوا ذلك الشيخ وعائلته جميعًا في خيمة صغيرة بجانب القرية. فتوجّهوا إليه وسمعوا قصّته، وبعدها استقبلوا ذلك الشيخ بالترحاب، وسكن بينهم. وشاء القدر أن اقترنت كريماته الأربع من أربعة مشايخ أفاضل من القرية ذاتها، وهم المرحومون: الشّيخ أبو شبلي اسماعيل أبو عوّاد، والشّيخ أبو محمد خزاعي أبو عواد، والشيخ أبو حسين يوسف قضماني والشيخ أبو محمد قاسم قضماني، والد الشيخ أبو قاسم محمد قضماني، وجدّ الشيخ الجليل أبو يوسف صالح قضماني. وكان للشيخ أبي محمد خزاعي من النسل الصالح نجله الشيخ قاسم أبو عواد، والمرحومة الست أم علي صالحة أبو عواد من قرية بقعاثا والتي كانت تربطهم علاقة قوية مع مشايخ البياضة في زمن الشيخ الجليل أبو علي مهنا حسّان وكانوا يتوافدون إلى بيتها العامر وكانت تقوم بواجب الضيافة للمشايخ خير قيام، ولها من الأبناء الشيخ أبي إبراهيم إسماعيل والشيخ أبي أحمد علي أبو عواد ولهم من الكثير الكثير من الأبناء الصالحين، وإن أبناء المرحومة الست أم علي صالحة تربّوا على طاعة الله في خلوات البياضة، حتى أصبح أحد أبنائها الشيخ أبو إبراهيم إسماعيل أبو عواد ركن من أركان خلوة الذكر الحكيم في قرية بقعاثا، والقائم فيها بالأمر والنهي حتى وفاته سنة 1994، وكان من أحفاد المرحومة الست أم علي صالحة الشيخ أبو مهدي محمد أبو علي وكان على خُطى عمّه الشيخ أبو إبراهيم اسماعيل أبو عواد في إعزاز أمر الدّين، والاجتهاد في درس كتاب الله والغوص في فهم معانيه الدقيقة.

وأمّـا الكريمة الثّالثة والّتي اقترنت بالشيخ أبي محمد خزاعي أبي عوّاد فكان من نسلها مشايخ أفاضل وهم: الشيخ أبو محمد قاسم ابو عواد الذي كان مرجعًا دينيًّا في أيّامه وكان له علاقات طيّبة مع مشايخ الطائفة أخصّ بالذكر منهم: الشيخ أبو محمد حسين حلبي، والشيخ أبو محمد علي حلبي حيث كان يتردد عليهم دائمًا. والكريمة الرابعة اقترنت بالشيخ أبي شبلي اسماعيل أبي عوّاد وهو من أبرز الشخصيّات الدّينيّة في تاريخ قرية بقعاثا رحمة الله عليه، وكانت تربطه علاقة متينة مع آل تراب. وكان أيضًا من أحفاد المرحومة الشيخ أبو محمد خزاعي أبو عواد الذي اتّخذ لنفسه مسلك الزهد بالدّنيا والورع وطلب الرزق الحلال، وتوفّي وهو في التسعين من عمره، وقد قضى حياته على طاعة الله منذ نعومة أظفاره. بينما تزوجت الكريمة الرابعة الست حلوة والتي كانت ديانة وصاحبة علم من المرحوم الشيخ أبي يوسف حسين قضماني شقيق الشيخ أبو محمد قاسم قضماني.

وفي سنة 1967عند فتح الطريق إلى بلادنا زار مدفن الست أم علي صالحة سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف وطلب بناء المدفن الموجود إلى وقتنا هذا في بقعاثا حيث كانت تربط علاقة القرابة بين عائلة طريف وعائلة أبو عوّاد وخضير المتواجدة بسوريا (السويداء).

رحم الله السلف الصالح من الشيوخ الفاضلين، وأطال الله عمر شيخنا الجليل الفاضل النبيل الشّيخ أبو يوسف صالح عالي المقام حسبًا ونسبًا، ونفّعنا ببركاته، وأغنانا سبحانه وتعالى من صالح دعواته. آمين..

*  ساهم في اعداد هذا المقال الشيخ غسان أبو ذياب مع الشكر

مقالات ذات صلة: