الموقع قيد التحديث!

مع الأولياء الصّالحين.. المرحوم الشّيخ الجليل أبو سلمان محمود الشّمعة

بقلم الأستاذ الشّيخ غسان يوسف أبوذياب
لبنان

علمٌ مــــن الأعلام شيخٌ فــــاضل ورعٌ نقيّ القلب محمودُ الثنــــا

زاكي الخصال مجاهــــــد متزهّد في العالم المعكوسِ في دار الفنا

حفِــظَ الأمانةَ للــــفرائضِ صانَها خلواتُنـــــا بوجـــودِه تلقى الهنا

شاد البنا والصّرحُ أضحى مشرقًا وتلاوةُ الذّكرِ الحكيمِ هــي السنا

والجودُ مـــــن كفّيه مــــزنٌ هاطل للخـــــلةِ الأبرار حقّـــا انثنـــى

والصّبرُ صقّلَ روحَه ثـــــمّ الرّضا نــال الكرامةَ والعلى بعـــد العنا

رحماتُ ربــي نلْتَها يــــا شيخَنــــا ودخلتَ دارَ الخلد بل نلت المنى

غسان يوسف أبو ذياب

ولادته، نشأته:

وُلد الشّيخ أبــو سلمان محمود الشّمعة في 31 آب سنة 1922 م من والدَيْن فاضليْن؛ والده المرحوم الشّيخ أبو محمودِ سلمانِ الشّمعةِ، وقد جاء إلى الخلوة، وكانت مهملةً وهي كنايةٌ عن عقدَين، ومجلسٍ خاصٍّ بالنّساء بجانبهما. وكان الشّيخ أبو محمود نجّارًا، فوظّف خبرته المهنيّة في إشادة أبواب الخلوة، ولم تزلْ هذه الأبوابُ إلى يـــومنا هذا. وكانت ولادته سنة 1890 م واسْتشْهِد سنة 1925 م، محافظًا على الكرامةِ المعروفيّةِ في حاصبيّا. وقد دُفِنَ في مقابر الشّهداء في تلك المنطقة، وكان شيخًا وقورًا فاضلًا، وألبسه مشايخُ عصرهِ العباءةَ البيضاء المقلَمة تقديرًا لمنزلته الدّينيّة. وكان الشّيخ أبو يوسف حسين هاني رفيقَ دربِه، وقد أوصاه الشّيخ أبو محمود سلمان بخلوة القطالب بقوله له:” إنّي ذاهبٌ إلى خلوات البيّاضة وإذا لم أعد سالمًا أوصيك بالخلوة”.

رُبِيَ الشّيخ أبو سلمان محمود يتيمًا، فأخذته والدته إلى “عرنة” لتأمين لقمة العيش، وانتقلت به بعدها إلى ضيعتها “جباع”، ومن ثمّ إلى ضيعته عين قني-الشّوف، واشترت والدته بيتًا صغيرًا، وسكنت معه فيه. وفي سنة 1955 م توفّي الشّيخ أبو يوسف حسين هاني، وكان الشّيخ أبو سلمان يقوم بخدمته، فطلب منه المرحوم الشّيخ أبوعلي اسماعيل زين الدّين خدمة الخلوة، وقد سلّمه مفتاحها، وكان عمره 33 سنة، وتكمّل وكان عمره 34 سنة، وكان مسكنه بين الخلوة وعين قني.  تأهّل من الشيخة الفاضلة بديعة صالحة شقيقة الشّيخ أبو محمد نجيب صالحة وكان عمره 36 سنة، ورُزِقَ منها ابنتان.  استخصّه الله سبحانه في آخر حياته بمرض صعب، صبر عليه صبر الرّجال الأتقياء الأوفياء إلى أن توفّته المنية في 8 آب سنة 1999 م، وكان له مأتمًا مهيبًا حضره الأعيان والسّادات من الشّيوخ الأفاضل، والأتقياء الإخوان من سائر البلدان، وأمطروه بالرّحمات وصالح الدّعوات. ودُفِن في الخلوةِ وأُقيم له ضريحٌ فيها.

محطّات من حياته (مناقبه، فضائله):

–          أخذ يعملُ على توسيعِ الخلوة، وأوصل الطّريق المُعَبَّدةَ إليها، وإنّ البناء الجديد الّذي أُضيف على البناء القديم ببركة نواياه ومساعيه. وكان حريصًا في المحافظة على الخلوة دينيًّا وجغرافيًّا؛ فكان شديد المحافظة على الأصول الدّينيّة، المنبثقة من كتاب الله وسُنّة رسله الكرام ونهج السّلف الصّالح، وكذلك حرص في توسيع مساحة الخلوة جغرافيًّا، وشراء بعض الأراضي المجاورة للخلوة وضمّها إلى الخلوة، حتّى تبقى الخلوة مصانة، ويطمئن المتعبّدون فيها، وزائروها من الأخيار الصّالحين ولا يقلقهم أو يكدِّر صفوهم أحدٌ. وكان الشّيخ أبو سلمان في تنسيق تامّ مع المرحوم الشّيخ الفاضل أبو محمد جواد وليّ الدّين والوقوف على رأيه في سياسة الخلوة وأخذ مشورته في جليل الأمور وصغيرها. وقد غدت في أيّامه خلوة القطالب مرجعًا كبيرًا لأبناء الطّائفة وخاصّة في حرب الجبل، فكان يجتمع فيها قادة الطّائفة الرّوحانيّون والسّياسيّون لاتّخاذ القرار المناسب الآيل لمصلحة الطّائفة. وكان حريصًا جدًّا على ألّا تأخذ خلوة القطالب أيّ طابع سياسّي أو إعلاميّ بل تبقى على طابعها الرّوحانيّ الصّرف.

–          كان الشّيخ أبو سلمان مرجعًا دينيًّا في منطقة الشّوف يؤخذ بآرائه السّديدة، وأحكامه الرّشيدة، وكان ورعًا فاضلًا، محاسبًا نفسه، مهذّبًا أخلاقه، شحيحًا على نفسه مرتديًا ثوب القناعة، كريمًا على إخوانه بماله وخدمته وإخلاص الضّراعة، بعيدًا عن السّياسة وحُبّ الرّياسة، دأبه خدمة الدّين وأهله، وخاصّة المستجيبين الّذين يقصدون الخلوة للتّنسّك والتّعبّد، وقد عمّر لهم خلوات مخصّصة للتّعبُّد ضمن حرم الخلوة. وكان همزة وصل بين إخواننا ومشايخنا في لبنان وسوريا، وكذلك بين إخواننا ومشايخنا في لبنان وفلسطين المحتلّة إبّان فتح الحدود بين البلديْن، وكان يتفقّد إخوانه الموحِّدين، ويسأل عن أحوالهم، وخاصّة الأخوات منهم، فينصرهم، ويساعدهم، ويحلّ مشاكلهم، بالرّفق والمحبة والجود والحكمة، وكان حريصًا أشدّ الحرص على حسناته، فلا يدخل بغيبة أو نميمة، أو يسمح لنفسه بحديث فيه ضرر من غيبة أو نميمة وغير ذلك… وقد أسمته السِّت الفاضلة “ألماز” سعيد بيك حمادة “شمعة الشّوف”، لما ظهر منه من فضائل دينيّة وأخلاق رضيّة، ولأنّه كان يضيء كالشّمع درب الإخوان والأخوات.

–          كان المرحوم الشّيخ أبو سلمان له تقدير كبير عند مشايخ فلسطين آل تراب، وبالأخصّ عند مشايخ آل الحلبي، حتّى أنّ قرينته المرحومة السّت إم سلمان أهدت أحد مشايخ آل الحلبي قطعًا من ثياب الشّيخ أبي سلمان بعد وفاته، وكان للشّيخ الجليل الطّاهر العالم العامل المرحوم أبو محمد حسين الحلبي (دالية الكرمل- فلسطين) مكانة عالية عند الشّيخ أبي سلمان، وكان يميّزه على كثير من مشايخ فلسطين. وعندما زار وفد كبير من مشايخ فلسطين خلوة القطالب في لبنان، واستقبلهم الشّيخ أبو سلمان رحمه الله، وكان بجانبه مع المستقبلين سماحة الشّيخ أبي علي سليمان أبو ذياب، فقال له المرحوم الشّيخ أبو سلمان: أنظر إلى هذا الشّيخ – ويقصد المرحوم الشّيخ أبي محمد حسين الحلبي رحمه الله- فإنه بدر مشرق بينهم. فلا عجب في ذلك فالمرحوم الشّيخ أبو محمد حسين الحلبي كان موضع ثقة سيّدنا الشّيخ أبي يوسف أمين طريف، ونصيره في المهمّات الصّعبة، وكان سيّدنا الشّيخ أبو يوسف أمين يضع صورته داخل عمامته المباركة تكريمًا وتقديرًا لمكانته عنده. نفّعنا الله ببركاتهم أجمعين.

–          كان مجاهدًا في حفظ كتاب الله العزيز وتلاوته، وكان يكثر من تلاوته من المساء إلى الصّباح دون توقّف.

–          كان مرافقًا يومًا ما للمرحوم الشّيخ أبو يوسف فريد بو حمزة، واقتربا من نهر جارٍ، فهمّ الشّيخ أبو سلمان وغرف من النّهر ثلاث غرفات بيديْه الطّاهرتيْن ليغسل وجهه، فنهره الشّيخ أبو يوسف فريد وقال له: يكفي. أجاب الشّيخ أبو سلمان: ماء جارٍ

فقال له: أنت مطالب بالّذي تصرفه.

–          قد اشتهر المرحوم الشّيخ أبو سلمان بخصلتيْن أساسيتيْن: حفظ الإخوان والكرم، وهاتان الخصلتان مرتبطٌ بعضُهما بالبعض الآخر، وكان يمارسهما بإخلاص طوال حياته، مع حالة الفقر الّتي كان يعيشها.

–          كان الشّيخ أبو سلمان متواضعًا للصّغير والكبير، نقيّ القلب، بشوش الوجه، صافي الودّ، ذا خلق حسن. وكان ذات يوم مترافقًا مع سماحة الشّيخ أبو علي سليمان أبو ذياب، أطال الله بقاه، فطلب منه سماحة الشّيخ المذكور أن يجلس في المقعد الأماميّ في السّيارة، فاعتذر ولم يقبل. فألحّ عليه سماحة الشّيخ، وأصرّ على موقفه قائلًا لسماحة الشّيخ: أعطني علمك كي أجلس في الصّفّ الأماميّ.

–          كان الشّيخ الجليل ضيفًا خفيف الظّلّ، لا يحبّ أن يتكلّف المُضيف به. ففي يوم من الأيّام نزل ضيفًا على أحد الإخوان وكان جائعًا فطلب منه وضع طبق صغير له عليه زيت وزعتر فقط. وكان يرغب في زيارة الإخوان بعضهم لبعض في شهريّ آب وأيلول حتّى تكون الضّيافة حلالًا من أرزاقهم. وكان إذا زار ضيعة معيّنة تشتهر بزراعة الكرز على سبيل المثال لا يقبل أن توضع أمامه أصناف أخرى تُشترى من الأسواق مخافة الكلفة وطمعًا في تناول الحلال.

خلوة القطالب

–          قد حارب الشّيخ أبو سلمان الاستعباد والطّغيان، واستغلال طاقات الفقراء والضّعفاء، واغتصاب حقوقهم، بل كان يأمر أن يُعطى الأجير حقّه قبل أن يبرد عرقه، عطاء وافيًا لا ظلم فيه، لأنّه يرى أنّ المعاملة الحسنة أساس الدّين

–          وكان ينهي عن مخالفة المؤمن الموحِّد للقوانين المدنيّة مثل امتلاك سيّارة غير قانونيّة، أو مخالفة للقوانين المدنيّة العادلة صغيرها وكبيرها، لأنّ المؤمن الموحِّد يجب أن يكون قدوة لغيره.

–          كان يرى رحمة الله عليه أنّ المناصحة بين الإخوان من شروط الصحبة وهذه المناصحة يجب أن تكون مخلصة مقرونة باللّطف والرِّفق والتّواضع والمحبّة والتجرّد من الأنانيّة.

–          ومن أبرز سماته إيثارُه لإخوانه على نفسه، وأنّه يبذل المشّقّات، ويقدّم أسمى التّضحيات من أجلهم، وتطييبًا لخواطرهم، بغية حفظ الودّ، مردِّدًا قول الإمام علي: عاتب أخاك بالإنعام عليه، واردد شرّه بالإحسان إليه. ومن عطفه ولطفه بإخوانه، كان يحمل الطّعام بيديْه ويأخذه إلى المتعبّدين في الخلوة، ويتفقّد أحوالهم، وكانوا يعتبرونه الأمّ الحنون. رحمة الله عليه ما أكرم سجاياه.

–          كان يأمر ويَنهي بسلطان الحقّ، وميزان العدل، وشجاعة اليقين، وكان متشدّدًا بأمر الدّين، لا يتساهل، ولا يقبل التّراخي بالواجبات الدّينيّة.

–          كان يحرص في المحافظة على النّعمة، وقد علم يومًا أن أحد الإخوان في الخلوة تناول رأس البّطيخ وأكل قلبه وأهمل الباقي منه ورماه، فأرسل في طلبه، وتحقّق صحّة الخبر منه، فغضب عليه، ولوّمه على احتقار نعمة الله والتّبذير لها، وقاصصه قصاصًا دينيًّا عادلًا.

–          كان يحثّ الإخوان على الملازمة لحفظ كتاب الله، ودرسه، وفهم معانيه، وكان يطبِّق ذلك على نفسه، حيث يمضي اللّيالي مجاهدًا، متعبّدًا دون ملل أو كسل.

–          وكان يتشدّد في ارتداء المؤمنات الزّيّ الدّينيّ اللّازم المتّبع، والتّحلّي بالاحتشام الكامل، وقد انتقل هذا السّمت الميمون إلى سوريا وفلسطين وأصبح متّبعًا ببركة نواياه وإخلاصه. وختامًا نقول إنّ المرحوم الشّيخ أبو سلمان محمود الشّمعة اسم على مسمّى، محمود الخصال والأقوال، محمود ما حملت نفسه من مقامات سنيّة وأحوال رضيّة؛ فارتقى في مقامات الورع والزّهد والصّبر، وعاش حالتيّ الخوف والرّجاء بقلب مطمئنٍّ سليم. رحمة الله تعالى عليه تترى ما دامت الأيّام والسّنين.


مرثاة نابعة من عمق الوجدان، من نقاء الشعر ونفحات الإحسان، من أخٍ ديّان هصور،   وشيخ وفيّ مشكور. من سماحة شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدّروز في لبنان الشّيخ الدكتور سامي أبي المنى وفّقه الله وكلاه وسدّد خطاه وقوّاه. كان قد ألقاها في مأتم الشّيخ الجليل المرحوم الشّيخ أبي سلمان محمود الشّمعة في خلوة القطالب بتاريخ 9-8-1999

هل ضاقَ صدرُكَ يا أبا سلمانِ فَنَفَحتَهُ بإرادةِ الشّجعانِ
أسْلَمْتَ روحَكَ راضِيًا وَمُسلِّمًا وَخَتَمْتَ عُمرَ الخيرِ باطْمِئنانِ
وَرَحَلْتَ عن هذا الخِضَمِّ مُسالِمًا وَتَرَكْتَ فينا غَصّةَ الأحْزانِ!!
هل ساءَ قلبَكَ أن تُشاهدَ ما بِنا وترى انتشارَ الضّعفِ والحرمانِ
أم ساءَهُ منّا اعتلالُ عَزائمٍ وَتَخَلُّفٍ عن حَلَبَةِ المَيْدانِ
ورأيْتَ حالَ بِلادِنا وزَمانِنا فلذل ارْتَقَيْتَ عُلًا لِغِيْرِ زَمانِ
وَرَأْيِتَ أنّ الفضلَ يَنْدُبُ أهلَهُ والدّينُ بينَ تَغَصُّبٍ وتوانِ
ومؤسّساتِ الخيرِ مُرهَقَةً، ولا كَفٍّ تُمَدُّ لِخِدْمَةِ الإنسانِ
وَرَأْيِتَ أنَّ الجَهْلَ يَنْسُجُ ثَوْبَهُ فَلِذا لبسْتَ عَباءةَ الإيمانِ
ورأيتَ أنّ المالَ مالَ بأهلِهِ فَلِذاك مِلْتَ عن الطّريق الفاني
ورأيتَ أنّ العِلْمَ ضاعَ عنِ الهُدى فاخْتَرْتَ عِلمَ الحقِّ والعِرفانِ
ورأيتَ أنّ النّاسَ أسْرى غايةٍ ومصالحٍ تَطغى بِكُلِّ مكانِ
فاخترتَ يا شيخي حياتَكَ زاهِدًا ورضيتَ أمرَ الآمِرِ الدّيّانِ
وسَلَكْتَ في التّوحيدِ سَلْكَ عِبادةٍ وتَحَقُّقٍ وتّذَلُّلٍ وتفانِ
وحَفِظْتَ خَلْوتَكَ النّقيّةَ عاليًا فإذا القطالبُ مَوْئِل الخِلّانِ
قد كنتَ فيها راعِيًا ومُرَبِّيًا قد كنتَ زُكنَ الخيرِ في البُنْيانِ
قد كنتَ جامِعَ شَملِنا وشُيوخِنا وإليكَ نرجعُ عندَ كلِّ رهانِ
فالحقُّ يصفو من صَفاء قلوبِكم والخيرُ منكم صادقُ العنوانِ|
وجِهادُكُم نَهجُ المُريدِ وقَدْ غدا يطوي اللّيالي ثابِتَ الأركانِ
وكتابُكم نورٌ وسِرُّ دعائكم نورٌ ، ونورُ الذِّكرِ في الأجفانِ
يا شيخيَ الباني لأهلِكَ خلوةً عَمَّرتها بِالزُّهدِ والإحسانِ
بَدَأَتْ “بحصنِ الدّينِ” في بنيانِها لِتكونَ رمزَ الطُّهرِ والرُّضوانِ
وُضِعتْ على أُسٍّ مَتينٍ من “أبي يوسف حُسَيْنَ”، وَعَزَّ ذاكَ الباني
فَغَدَتْ “بِبانيها” وعَزْم جِهادِه مَلقى الأُسودِ وقلعةَ الفُرسانِ
وأضأْتَ فيها شمعةً يا شمعةً ذابتْ لِتُعطيْ النّورَ للبُلدانِ
فكأنّها فوقَ الجِبالِ منارةٌ تَهدي الجِبالَ وسائرَ الوِديانِ
يَمتَدُّ سِرُّ ضِيائها وَنقائها مِن شوفِكَ الأعلى إلى لُبنانِ
لربوعِ سوريّا الحبيبةِ كُلِّها لِبَني تُرابٍ ثمّ للجولانِ
هذي الرّسالةُ حَيَّةً بشيوخِها الأعلامِ والأطهارِ والأقْرانِ
قامتْ على التّقوى وسِرُّ بقائها التّقوى، فظَلَّتْ قِبْلَةَ الإخوانِ
هل يا حبيبَ قُلوبِنا، يا شيْخَنا ترضى، فَنَشعُرُ أنَّنا بِأمانِ
إنّا خَسِرنا فيكَ وَجهًا طافِحًا بِشْرًا، وَحُبًّا صافيَ الوِجدانِ
إنّا خَسِرنا فيكَ قَلبًا طاهِرًا نَحتاجُهُ لِيَضُمّنا بِحنانِ
نبكيكَ من أعماقِنا في حَسْرَةٍ يا راحِلًا بِالصَّمْتِ والرُّجْحانِ
نبكي على عَجْزٍ بِنا وخَسارَةٍ حَلَّتْ بِفَقْدِكَ يا رَفيع الشّانِ
تَبكيكَ أجيالُ تَرَبّتْ للهدى في ظِلِّ عَطْفِكَ يا أبا التَّحنانِ
تَبكيكَ من جبلِ الدُّروزِ عَمائمٌ شَهِدَتْ بِأنّكَ جامعَ الرّكبانِ
يبكي المَشايخُ والرِّجالُ فقيدهم وَقلوبُهُم تَشكو منَ الخَفَقانِ
وَمَواطِرُ الرَّحمات تسكُبُ ماءَها وشهادةٌ تُتلى بكلِّ لسانِ،
يا مَنْ شَكَرْتَ على البّلاءِ مُناجِيًا رَبًّا رَحومًا واسِعَ الغُفرانِ
يا مَنْ صبرتَ وكُنتَ فينا قُدْوَةً، عِشْ في ارتقائكَ راجح الميزانِ
وانْعَمْ بِمَوتٍ فيه تحيا خالِدًا وَيَعيشُ ذِكرُكَ دونَما نِسيانِ
واسْعَدْ فهذي الدَّرْرُ تُسْعِدُ أهلَها واصْعَدْ وَنَمْ في خَلوةِ الرّحمنِ

مقالات ذات صلة: