الموقع قيد التحديث!

“كلُّ الأعوام بعدَ غيابكَ باهتة”

بقلم سماحة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرّئيس الرّوحي للطّائفة الدّرزيّة ورئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تمامًا في هذه الأيّام من كلّ عام، وفي غمرةِ ما نعيشهُ خلال السّنة الأخيرة من ثِقَل ووعورةِ الأحداث، يتراءى أمامنا رسمٌ لا يزال حاضرًا بوضوحٍ رغمَ الغياب، متمثّلًا بوجهٍ نورانيٍّ مُشرقٍ روحانيّ الصّورة والمعالِم، وقلبٍ أمّدهُ الله بنورِ التّقوى والمكارم، ليغدو نبراسًا للطّائفةِ المعروفيّةِ في كلّ مكان، وواحدًا من أعمدةِ دينِها وفضلها على مرّ الأزمان، مُضافًا بجليل سيرتِهِ ومسيرتِهِ إلى جُملة المشايخ السّادة القادة، الّذينَ غيّبوا نفوسَهُم الزّكيّة في حضرة الملكوت، وسلكوا صراطَ النّجاة بصدقِ نيّةٍ وثُبوت.

هو العلمُ التّوحيديّ الأنيس، والمجتهدُ الأوَّل الرّئيس، الطّاهر الباهر الزّاهر، والجوهر النّادر الفاخر، المكمّل لمسيرة السّالفين من شيوخِ آل تُراب، المتقرّب إلى مولاه بصدقِ العزيمةِ وشدّةِ الإطناب، الحرز الميمون الأنفع، والقطب الخطير الأرفع، سيّد الجزيرة وشيخ العشيرة، جدّي ومعلّمي ومُرشدي سيّدنا الشّيخ أبو يوسف أمين طريف، طيّب المولى ثراه، وأدام علينا ظلّ بركتِهِ ورضاه.

في مثلِ هذه الأيّامِ العصيبة الّتي تقبعُ فيها البلادُ تحت أعباء القلاقل والحروب، وتتزايدُ مع أيّامها ولياليها صعوباتُ الشّدائدِ والكروب، نستذكرُ سيّدنا الشّيخ صاحب القيادة الواعية الحكيمة، والنّوايا الطّيّبة المستقيمة، الّذي رأى في خدمة الطّائفةِ أمانةً في غاية القداسةِ والأهميّة، وقدّمَ وضّحى وجادَ بتواضعٍ وحُسن نيّة، ليقابَلَ بالمعونة والتّوفيق من ربِّ البريّة.

يشهد على ذلك – والقائمةُ تطول – ما شاهدناهُ مرارًا من اختيار سيادتِهِ لنيلِ جوائز رفيعة محلّيًا وعالميًّا، وجوابهُ الدّائم بالرّفض القاطع تواضعًا منه وعفّةً، لنعود ونحثّه على قبولها نيابةً عن الطّائفة، حتّى يطمئنّ قلبُهُ ويفيض دمعُهُ، ويُسمعنا ذات الإجابة المتواضعة الحكيمة: “إذا كانت الجائزة للطّائفة وليست للفقير، سوف أقبل الخاطر”.

فهيهات هيهات على مثلّ هذا الشّخصيّات المترفّعة النّادرة، الّتي جمعت في ذاتِه مقوّمات القيادة الرّوحيّة الدّينيّة، والحكمة الإنسانيّة الاجتماعيّة، بعيدًا عن تقلُّب السّياسة وتبدُّل المصالح وتقديس الذّات.

وها نحنُ اليوم، وبعد واحدٍ وثلاثين عامًا على فُراق سيادتِهِ، وتحسُّر العيون شوقًا لنورِهِ طلّتِهِ وصورتهِ، نستمرّ بمعيّة مشايخنا وإخواننا الثّقات على ذات النّهج الّذي وضعَ ورسَم، راضين بحُكم الله وبما قضى وحَكَم، موقنين أنّ أمثال جدّي المرحوم سيّدنا الشّيخ لا يموتون، بل هم أحياءَ دائمًا وأبدًا في الذّكرى والذّاكرة، تطيبُ بفاكهةِ سيرتِهمِ كلُّ القلوب والمجالس، وتجلي أضواءُ بركتهم ظلامَ العيش والحنادس.

نسأل الله تبارك وتعالى ببركةِ صاحب هذه الذّكرى العطرة الكريمة، وبحقّ ما جمعهُ بمولاه من حُسن القُربى ورفيع الدّرجة، أن تتبدّد غيومُ الحرب عن سمائنا الّتي غطّتها غمائمُ الحرب ونفير الصّفّارات عند الضّرب، لنشهد حلول هذا السّلام الّذي نادى به الأنبياء، ودعا إليه الأولياء، وخصوصًا في هذا الأرض المقدّسة المباركة النّازفة.

لسيّدنا الشّيخ وابلٌ من الشّوقِ والرّحمةِ والرّضى، ولنا من بعد غيابِهِ حُسن التأدُّب والاقتداء والاعتبار. بينَنا واحدٌ وثلاثون عامًا من الفُراق يا جدّي، وكلُّ الأعوامِ بعدَ غيابِكَ باهتة.

مقالات ذات صلة: