الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 167: أصحاب العقل الرّاجح والتّقوى والفكر الملهم

بقلم أسرة العمامة
دالية الكرمل

عندما نتحدّث عن آراء أصحاب العقول الرّاجحة والوحي والتّقوى والدّين والبصائر والفكر الملهم النيّر في هذه الحقبة الزّمنيّة الّتي تصادف فيها الذكرى الحادية والثلاثون لرحيل شيخ العشيرة وسيّد الجزيرة سيّدنا الشّيخ أمين طريف رضى الله عنه، والّذي لا زلنا وسنبقى أبد الدّهر نجتمع تحت ظلّ صورته ونسترشد بما سمعناه عنه من حكمة، تعود بنا الذّاكرة إلى القول المأثور والوصف الدّقيق لفضيلة الشّيخ العلّامة ماجد أبو سعد والّذي جاء فيه: “انّ كرامة العزّ والجاه في الدّنيا تركض نحو سيّدنا الشّيخ أبي يوسف أمين طريف رضى الله عنه  ذليلة خاضعة فيهرب خفًا من وهمها وسراباتها اللّامعة إلى حقيقة الكرامة في الدّار الآخرة وأنوارها السّاطعة”. كيف لا وهو سرعان ما أضحى أيقونة دينية تشعّ بإشراقة روحيّة فريدة ذاع صيتها بين القاصي والدّاني في كافّة أرجاء المعمورة، وكان صاحب الهيبة والرّأي الأصوب، ندرة الزّمان، صاحب الفضل والفضيلة، وشيخ الخشوع والزّهد. هكذا هم سادتنا قادتنا المبجّلين أصحاب الإيمان الرّاسخ والعقول الكبيرة والإلهام يرون الأمور وهي في مهدها، ويعرفون من أين تُؤكل الكتف فيسلكون درب الصّواب بكلّ تقوى وخشوع وتديّن ليبلوروا أفضل القرارات الّتي تصبّ في صالح طائفتهم وأمّتهم بعون الله تعالى.

إنّ كل متابع ودارس لسيرة سيّدنا صاحب الأيادي البيضاء الشّيخ الطّاهر الأمين أبي يوسف أمين طريف (ر) على علم ودراية كاملة بأنّه لم يسعَ فقط لصون والحفاظ على دروز البلاد فحسب، بل كان له دور هامّ ومحوريّ جدًّا في المحافظة على أمّة التّوحيد أينما كانت، وقد اندرجت كافّة زياراته إلى لبنان وأماكن أخرى ضمن هذا الإطار، حيث لم يدّخر سيّدنا الشّيخ أمين، رضي الله عنه ونفّعنا بصالح ذكراه، أيّ جهد لمنع أيّ أذى قد يلحق بدروز لبنان أو سوريا حتّى وإن كان بسيطًا للغاية فكان للجميع أبًا روحيًّا ميزته علاقاته الطّيّبة وحِلمه وتلك اللّقاءات الفريدة المتكرِّرة مع النّخبة المختارة من رجالات الدّين والقادة لتبقى راية التّوحيد عَلمًا رفرافًا في أعالي القمم، لا زلنا ننضوي تحته وتحت طيب ذكراه الّتي تعيدنا إلى ما كان عليه من اهتمام فريد بسماع أخبار النّاس والانتقال بينهم وبين البيوت، ومن فتحه لمنزله وقلبه بوجه الجميع ليسهر على حقوقهم، ويسير بالمصلحة الطّائفيّة ويقودها إلى برّ الأمان.

لقد ربطت سيّدنا الشّيخ أمين (ر) علاقة خاصّة ومميّزة مع دروز سوريا منذ تولّيه رئاسة الطّائفة في البلاد، فقام فضيلته باستقبال وفودهم وباستشارة مشايخ وقادة جبل الدّروز، واستمع إلى نصحهم وإرشادهم لتذليل الصّعاب وحلّ الأزمات من جهة، ولم يتوانّ بالمقابل ومن جهة أخرى للحظة بمدّ يد العون لكلّ مستغيث، وبالوقوف على رأس وفد إلى جبل الدّروز في سوريا برفقة سيّدنا الشّيخ المرحوم أبي حسين محمود فرج، والمعلِّم القائد كمال جنبلاط حيث استقبلهم القائد الكبير سلطان باشا الأطرش، لوأد الفتنة والخلاف الّذي نشب بين أبناء الطّائفة الواحدة في جبل الدّروز  بعد أن نجح المغرضون في إشعال فتيل هذه الفتنة هناك وقد كان لهم ذلك بمشيئة الله وبفضله وفضل الوفد الجليل الكريم المرافق.

وممّا لا شكّ فإنّ الرّوابط وأواصر القربى الّتي صنعها وعزّزها وبناها سيّدنا الشّيخ أبو يوسف أمين بمواقفه المشرِّفة والمحقّة الّتي لا تُحصى، وبقدراته الفريدة ما زالت تلقي بظلالها على صفوف أمّة التّوحيد بأكملها أينما وُجدت، فمعركة ما يطلق عليها البعض اسم الحفاظ على التّوازن من أجل البقاء الّتي يخوضها دروز سوريا ضد النّظام هناك والجهات الّتي تسعى للمساس بالطّائفة الكريمة، تلقى، والحمد لله، ردًّا قويًّا ليس فقط من قِبل دروز سوريا وإنّما من كلّ درزيّ وإنسان حرّ في كلّ مكان.

وعلى هذا الصّعيد وعلى صُعد عديدة أخرى، لا بدّ من الإشارة إلى الدّور الفعّال والفعليّ في هذا المضمار الّذي يقوم به سماحة الشّيخ أبو حسن موفّق طريف، أطال الله عمره، من خلال عقد لقاءات مع القادة الرّوس أصحاب النّفوذ في سوريا، ومع آخرين لدرء الخطر ومدّ يد العون لدروز سوريا الّذين يعيشون إحدى أصعب الفترات في تاريخهم.

قد يطرح البعض، على خلفية حالة الحرب المتفاقمة والأوضاع الرّاهنة في البلاد والمنطقة عمومًا والمشاكل الجمّة الّتي تعانيها مدننا وقرانا في مجالات رصد الميزانيّات والتّخطيط والبناء وربط البيوت بالكهرباء والبنى التّحتيّة والعنف المستشري، السّؤال الطّائفة الدّرزيّة إلى أين؟ ونحن نقول إنّ وحدة الصّفّ وطرح الأسئلة ودراسة التّطورات على كافّة الصُّعد والوقوف عندها لهي أمور حتميّة وضروريّة للسّير نحو تحقيق الأهداف المرجوّة وما يصبو إليه أبناؤنا وبناتنا، وإنّ التّاريخ قد أثبت على مرّ الزّمن أن الله جلّ جلاله قد خصّ طائفتنا بدور رياديّ تاريخيّ خاصّ وجعلها تسلك درب الصّواب وتتحمّل المشقّات والصّعاب لتخرج في نهاية المطاف ويدها عليا بفضل الله عزّ وجلّ قبل كلّ شيء، وبجهود ومساعي القيادات الرّوحيّة والدّنيويّة الحكيمة الّتي تربط اللّيل بالنّهار لإدارة شؤون الطّائفة وقيادتها نحو برِّ الأمان.

ولا يختلف عاقلان بأنّ الموقف الواضح الّذي اتّخذته الطّائفة الدّرزيّة من الحرب الدّّائرة منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي والتّضحيات الكبيرة الّتي قدّمتها وفقدان عدد لا يستهان به من خيرة الأبناء، جعلها محطّ أنظار الكثيرين محلّيًّا وعالميًّا، حيث كثرت الوفود القادمة للقاء قادة الطّائفة الرّوحانيين والدّنيويين، وازداد اهتمامهم بشؤون الطّائفة عامّة، وممّا لا شكّ فيه، فإنّ ذلك سيصبّ في مصلحة الطّائفة الدّرزيةّ على المدييْن القصير والبعيد وخصوصًا إذا ما تمّ استغلال هذا الشّأن بالشّكل اللّائق والصّحيح لدفع قضايا الطّائفة إلى الأمام.

وبعيدًا عن الحرب المشتعلة وإحياء ذكرى سيّدنا الشّيخ امين طريف، رضى الله عنه نرى لزامًا علينا التّطرُّق والتّحذير مرّة أخرى، علّنا نكون في غنى عن ذلك مستقبلًا إلى آفة العنف والجريمة في بلداتنا الآخذة في الازدياد، والتفاقم بشكل ملحوظ لم نعهده من قبل وإلى عواقبها الوخيمة من أعمال قتل، وأضرار ماديّة واقتصاديّة ونفسيّة على المجتمع برمّته، فما لم تتضافر كافّة الجهود من قِبل جميع الأطراف وفي مقدّمتها الشّرطة والسّلطات المحلّيّة ورجالات الدّين والجهازين القضائيّ والتّعليميّ والأهالي فسندفع ثمنًا باهظًا. وعلى كافّة الجهات ذات العلاقة العمل على مدار السّاعة لاجتثاث هذه الآفة من جذورها قبل فوات الأوان من خلال وضعها في رأس سلِّم أولويّاتنا وإعداد الخطط والبرامج اللّازمة ورصد الميزانياّت الكافيّة لمكافحة العنف بلا هوّادة ولمنع ظواهر سلبيّة أخرى خصوصًا في صفوف الشّباب والشّاباّت بدأت تطفو على السّطح في مدننا وقرانا في الفترة الأخيرة.

ختامًا لا يسعنا إلّا أن نبتهل إلى الله العليّ القدير أن تنتهي هذه الحرب البغيضة ويعود السّلام والأمن والأمان والهدوء والاستقرار.

والله ولي التوفيق..

أسرة “العمامة” | دالية الكرمل | أيلول 2024

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفية – العدد 154

فضيلة الشيخ موفق طريف يتابع أحداث القريّا في جبل الدروز لمنع تدهور الأوضاع تابع فضيلة الشيخ موفق، طريف الرئيس الروحي