الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد: “الهاجس التّاريخيّ”: الطّائفة الدّرزيّة جذور من نور وصمود في وجه العواصف

بقلم أسرة “العمامة”

في العام 1922، اكتشف الفرنسيّون وجود المناضل اللّبنانيّ أدهم خنجر الّذي عُرف بشجاعته في مقاومة الاحتلال الفرنسيّ وحاول اغتيال الجنرال الفرنسيّ “غورو”، الّذي كان المُفوّض السّاميّ في لبنان وسوريا، في منزل القائد سلطان باشا الأطرش، فبعثوا بقوّة عسكريّة كبيرة إلى المنطقة وقد أصرّ الفرنسيّون على اعتقال خنجر رغم رفض سلطان باشا الأطرش تسليمه، مؤكِّدًا على حقّ الضّيافة وحماية المستجير. إلّا أنّ القوّة الفرنسيّة هاجمت منزل الزّعيم سلطان الأطرش بالقوّة واعتقلت أدهم خنجر. هذا الانتهاك للكرامة أشعل غضب القائد سلطان باشا، وأدّى لاحقًا إلى اندلاع المقاومة المسلّحة ضدّ الاستعمار الفرنسيّ فيما يُعرف بالثّورة السّوريّة الكبرى عام 1925 الّتي قادها سلطان باشا الأطرش ولعب فيها الدّروز دورًا اساسيًّا ومحوريًّا أدّى الى نيل هذا البلد استقلاله بعد تخلّصه من نير الاستعمار، أمّا في لبنان فيكفي أن نشير الى الحضور القويّ للطّائفة الدّرزيّة والدّور الرّئيسيّ في تاريخ هذا البلد حاليًّا وخلال فترات الإمارة الشّهابيّة والمعنيّين والتنوخيّين في القرون الماضية وخلال الحرب الأهليّة اللّبنانيّة بين الأعوام 1975 حتّى 1990 هذا فضلًا عن التّمثيل السّياسيّ والدّينيّ القويّ القائم للزّعماء البارزين وكبار رجال الدّين والمشايخ الأجلّاء الميامين.

إنّ قصّة أدهم خنجر المستجير والقائد الكبير سلطان باشا الأطرش وما تبعها من تطوّرات آنذاك أصبحت رمزًا للشّجاعة والكرامة والبسالة والقوّة والدّفاع عن المبادئ ضدّ الاستعمار وأحد البراهين السّاطعة للدّور الهامّ للطّائفة المعروفيّة في المنطقة، وكي لا ينسى القاصي والدّاني فإنّ الطّائفة الدّرزيّة، بما تحمله من تاريخ طويل وعريق، لعبت ولا تزال تلعب دورًا مهمًّا في العديد من دول الشّرق الأوسط والعالم انطلاقًا من مكانتها الّتي تستند إلى البطولات والمساهمات والإنجازات على أكثر من صعيد، في أكثر من زمان ومكان.

ولعلّ الأمر الّذي لا يختلف فيه عاقلان، وعلى خلفيّة الأحداث الّتي تعصف في سوريا والمنطقة في الآونة الأخيرة، هو أنّ الطّائفة الدّرزيّة تتمتّع بمكانة خاصّة في البلدان الّتي تتواجد فيها، حيث يُعتبر الدّروز جزءًا لا يتجزّأ من نسيج المجتمع الّذي يعيشون فيه أينما وُجدوا، وليس صدفة، أن يُعدّ الدّروز في اسرائيل وسوريا ولبنان، جزءًا أساسيًّا من التّركيبة السّياسيّة والاجتماعيّة المهمّة وأن يشاركوا بشكل كبير وفعّال في كافّة مناحي الحياة، ورغم قلّة عدد أبناء طائفتنا نسبيًّا في كافّة الأماكن آنفة الذِّكر لا يستطيع أحد أن ينكر  أو يتجاهل التّأثير العميق للدّروز في المجتمعات المختلفة من خلال الأدوار البارزة في السّياسة والأمن وحفظ التّوازن الاجتماعيّ

وممّا لا شكّ فيه، فقد أبرزت أحداث الفترة الأخيرة في المنطقة الدّور الرِّياديّ الهامّ للطّائفة المعروفيّة في إسرائيل وما تقوم به القيادات الدّينيّة والدُّنيويّة وفي طليعتها سماحة الشّيخ أبو حسن موفق طريف الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة في إسرائيل وآخرون من أجل الحفاظ ودعم وصون الطّائفة الدّرزيّة ومصالحها والذّود عنها في كلّ مكان وتحقيق الأمن والسّلام والاستقرار للجميع.

ورغم ذلك فقد واجهت الطّائفة الدّرزيّة في السّابق ولا تزال تواجه العديد من الانتقادات والاتّهامات من بعض أصحاب النّفوس الضّعيفة والمغرضين، حيث يتمّ نشر أكاذيب وتشويهات وتزييف للحقائق الّتي لا تهدف إلّا للإضرار بمكانة الطّائفة بين الأمم. هناك حملات تحريض مستمرّة ضدّ الدّروز، إذ يتمّ تحميلهم مسؤوليّة العديد من المشاكل الّتي تعاني منها المجتمعات في الشّرق، وكأنّهم هم المسؤولون عن كلّ المعاناة والتّحدّيات، فمن خلال تصفُّح الكتب والمقالات على الإنترنت، أو متابعة الإذاعات ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، نرى أنّ الدّروز يتعرّضون أحيانًا لهجمات قاسية غير مبرَّرة، حيث يتمّ تحميلهم بعض أخطاء التّاريخ والتّحديّات الحديثة.

لكن لو تأمّلنا فيما قدّمته الطّائفة الدّرزيّة على مرّ العصور في سبيل جميع شعوب المنطقة، لوجدنا أنّ الدّروز هم من أكثر الأقلّيّات الّتي قدّمت تضحيات كبيرة، وأنّهم قد أنجبوا العديد من الشّخصيّات المؤثِّرة والبارزة الّتي أسهمت في بناء المجتمعات على مختلف الأصعدة. لهذا، يجب أن نفخر بما حقّقته طائفتنا، وأن نستمرّ في طريقنا دون الالتفات إلى ما يُقال عنّا، فقد تعلّمنا من أسلافنا الصّالحين أن نكون من أهل الخير والنُّبل مع الجميع، وأن يكون اللّه سبحانه وتعالى هو مرشدنا وموجِّهنا في مسيرتنا في كل ّحال.

وعلى مرّ العصور، كان لدى الطّائفة الدّرزيّة كما أسماه في السّابق مؤسِّس ومحرِّر مجلة العمامة المرحوم الشّيخ سميح ناطور “هاجس تاريخيّ” يوجِّه مسيرتها، وهو ما كان له دور كبير في تحديد مسار الزّعماء والشّخصيّات البارزة في الطّائفة. هؤلاء الزّعماء، من العصور القديمة وحتّى العصر الحديث، كان لهم تأثير كبير في توجيه الطّائفة نحو ما يخدم مصلحتها. ويجب أن نتذكرّ أسماء بارزة مثل الشّيخ بشير جنبلاط والزّعيم كمال جنبلاط، والشّيوخ الأجلّاء مهنا وأمين طريف وحسين ماضي ومحمد أبو شقرا، والقائد سلطان الأطرش، وغيرهم وهم كثر، ممّن كان لهم دور في الدّفاع عن الطّائفة والمساهمة في تقدُّم المجتمع. هذا “الهاجس التّاريخيّ” الّذي نحمله، لا يزال يشكِّل دافعًا لنا للحفاظ على مكانتنا وللتّعامل مع التّحدّيات الّتي نواجهها بثقة وقوّة. وكما كان الحال في الماضي، فإنّ الطائفة الدّرزيّة ستظلّ صامدة في مواجهة المحن، سائرة في طريقها الثّابت الرّاسخ الّذي رسمه لها الله سبحانه وتعالى.

وفي هذه المناسبة السّنويّة العطرة، زيارة مقام خطيب الأنبياء سيّدنا شعيب عليه السّلام، نؤكِد لكلّ مَن يعتقد أنّ الطّائفة الدّرزيّة ضعيفة أو مستهدَفة أنّها قوّة حيّة، مثقّفة راسخة، وأنّ تاريخها يعود إلى آلاف السّنين من العطاء والتّضحيات، وأنّ الله قد اصطفانا لهذه المهمّات الكبيرة. فنحن، منذ القِدم، جزء من التّاريخ، وسنظلّ على هذا الدّرب، لصون المجتمعات ونُسهِم في بناء السّلام والاستقرار في منطقتنا، كما فعلنا في مراحل تاريخيّة مختلفة على مرّ الزّمن. v

زيارة مقبولة وكلّ عام وأنتم بخير..

والله ولي التّوفيق..

أسرة “العمامة” | دالية الكرمل | نيسان 2025

مقالات ذات صلة: