الموقع قيد التحديث!

شهداء الحرب الأخيرة من أبناء الطّائفة الدّرزيّة

بقلم بيت الشهيد الدرزي

ثكلت الطّائفة الدّرزية منذ بدء حرب “السّيوف الحديديّة” في السّابع من أكتوبر من العام 2023، ثلاثة عشر ضابطًا وجنديًّا من خيرة أبنائها البررة على الجبهتيْن الجنوبيّة والشمالّية الّذين قاموا بأعمال بطوليّة يشار إليها بالبنان في هذه الحرب دفاعًا عن أرض الوطن. وقد كتبنا في أعداد سابقة من مجلة “العمامة” عن الشّهداء: المرحوم المقدّم عليم سعد – يانوح، المرحوم المقدّم سلمان حبقة – يانوح، المرحوم الرّائد جمال عبّاس – البقيعة، المرحوم دانيال راشد – شفا عمرو، المرحوم عدي مالك حرب – بيت جن، المرحوم جواد عامر – حرفيش، المرحوم سفيان خالد دغش – المغار، المرحوم أنور سرحان – حرفيش، المرحوم الميجر جلاء إبراهيم – ساجور، المرحوم الكابتن وسيم محمود – بيت جن، المرحوم الميجر نائل فوارسة – المغار. أمّا في العدد الحاليّ فسننشر نبذة عن حياة العقيد إحسان سامي دقسة – دالية الكرمل والمرحوم تامر نبيل عثمان – كفر ياسيف، رحمهم الله جميعًا وأسكنهم فسيح جنّاته.

المرحوم العقيد إحسان دقسة – دالية الكرمل

خيّم الحزن الشّديد على قرية دالية الكرمل مسقط رأسه والطّائفة الدّرزيّة ودولة إسرائيل عامّة باستشهاد العقيد البطل إحسان سامي دقسة في معركة في قطاع غزة في 20 أكتوبر 2024، عن عمر ناهز 41 عامًا بعد أن كان قد التحق بجيش الدّفاع في 9 يناير 2001 وخدم في سلاح المدرّعات، وقد ووري الثّرى في المقبرة العسكريّة في عسفيا. تاركًا وراءه زوجة هدى، ثلاثة أبناء عمري، ريف وياسمين، والديْن سامي وضوية، وأربعة إخوة. وفور إعلان خبر وفاته الّذي وقع كالصّاعقة على أسرته وقريته، تقاطر الآلاف من القادة والوزراء وكبار الضّباط والمواطنين من كافّة أرجاء الدّولة الى دالية الكرمل للمشاركة في مراسم تشييع جثمانه ومشاطرة عائلته الحزن والأسى في هذا المصاب الجلل.

عُرف العقيد إحسان دقسة الّذي شغل منصب قائد اللّواء 401 التّابع للفرقة 162 في قيادة المنطقة الجنوبيّة بأعماله البطوليّة وببسالته وشجاعته وقدراته القياديّة الفائقة وبحكمته العسكريّة وبدماثة خلقه، ودقّته العالية في أداء مهامه، وحرصه الدّائم على ترسيخ قيم الانضباط والتّفاني في صفوف القوّات الّتي قادها وخدمها بإخلاص وبمحبته الشّديدة لدولته وقريته ولأسرته الفريدة وأقاربه وأصدقائه وتفانيه وإخلاصه الّذي لم يعرف مثيلًا لقيم ومبادئ جيش الدّفاع. وفي ميدان الشّرف والانضباط، يبرز اسم العقيد إحسان دقسة كأحد الرّموز الّتي كانت مدعاة للفخر والاعتزاز إذ لم يكن مجرّد قائد فحسب، بل كان قدوة يُحتذى بها، يبثّ الثّقة في مَن حوله، ويصنع الفارق أينما حلّ، وقد ترك بصمته في كلّ موقع شَغَلهُ، وكان حاضرًا في قلوب رفاقه، لا بكثرة الكلام، بل بصدق الأفعال إلى أن استُشهد وترك وراءه سيرةً عطرة ستبقى تُروى للأجيال القادمة.

وُلد العقيد طيِّب الذِّكر إحسان دقسة في دالية الكرمل عام 1983، ودرس في الكلّيّة الأكاديمية «أونو»، وتخرج منها بعدما حصل على درجة البكالوريوس في القانون. وكان قد جُنِّد في جيش الدّفاع في العام 2001 والتحق بسلاح المدرّعات، وخدم فيه سنوات عدّة. شارك العقيد إحسان في حرب لبنان الثّانية في العام 2006، وحارب في معركة عيتا الشّعب، ودخل بمفرده بدبّابته إلى هذه القرية بعد أن حدّد خلال المعركة مصدر نيران أصابت قوّة مظلّيين تابعة لجيش الدّفاع، وعمل على تدمير مصدر النّيران، وإجلاء الجنود المصابين، وبسبب جهوده هذه، حصل على وسام تقدير وتميّز من قائد المنطقة الشّماليّة. أشغل لاحقًا منصب قائد سريّة في الكتيبة 75 ضمن اللّواء السّابع، ثمّ أصبح نائبًا لقائد الكتيبة 77 في العام 2012، وقائدًا للّواء السّابع في العام 2014، وترقّى إلى رتبة مقدّم وعُيّن قائدًا للكتيبة 82 عام 2016. وفي سبتمبر 2018، عُيّن قائدًا للكتيبة 532 في اللّواء 460، ثمّ ضابط عمليّات في القيادة الشّماليّة عام 2019، وعُيّن قائدًا للواء الجولان في أغسطس 2021.  

عاد العقيد إحسان من جديد للدّراسة في كلّيّة الأمن القوميّ في أغسطس 2023. لكن معركة السّيوف الحديديّة أجبرته على العودة إلى منصبه في أكتوبر 2023. وقد رُقّي إلى رتبة عقيد إبّان الحرب في غزّة، وعُيّن قائدًا للواء 401 في 25 يونيو 2024، وكان مسؤولًا عن العمليّات العسكريّة في مخيّم جباليا، وقاد العمليّات العسكريّة على مستشفى الشّفاء وحيّ الزّيتون وبيت حانون وجباليا ورفح. فيما يلي مقتطفات من كلمات رئيس الدّولة، وزير الدّفاع ونائب رئيس هيئة الأركان التّأبينيّة:

 رئيس الدّولة يتسحاق هرتسوغ:

 “مع كافّة أبناء شعب إسرائيل، تلقّيت بحزن وألم النّبأ المُفجع عن استشهاد قائد لواء 401، العقيد إحسان دقسة، الّذي سقط في المعارك في جباليا. إحسان، بطل إسرائيل، مقاتل شجاع، متواضع وقِيَمي، واستشهاده يُعتبر خسارة لدولة إسرائيل وللمجتمع الإسرائيليّ بأسره.

أقف احترامًا وإجلالًا له وأحتضن عائلته، وأهل بلدة دالية الكرمل، وأخواتنا وإخواننا من الّطائفة الدّرزيّة الّذين فقدوا العديد من أبنائهم منذ بداية القتال، من خلال الإخلاص والتّضحية والتّفاني والشّراكة في المصير. رحمه الله.”

وزير الدّفاع (آنذاك) يؤاف غالانت في الجنازة:

“بحزن عميق وألم كبير، نودِّع العقيد إحسان دقسة، أحد أبرز وأفضل قادة الميدان في جيش الدّفاع الإسرائيليّ، ضابط شجاع، قائد محبوب ورمز للتّواضع والشّجاعة. قصّة العقيد إحسان تُعدّ رمزًا ونموذجًا لطريقة عمل قادة جيش الدّفاع، الّذين يسيرون في طليعة القوّات، في أخطر المواقع، ويشكّلون قدوة لجنودهم الّذين يتبعونهم في ساحة المعركة. 

     منذ أن تلقّيت النّبأ الأليم عن استشهاد إحسان، أتذكّر مرارًا اجتماعنا الأخير في الميدان، حيث كان يقود جنوده في مهمّة لتفكيك لواء رفح التّابع لحماس. لقد تركتْ لديّ قدرات الحسم والتّواضع والمبادرة الهجوميّة الّتي أظهرها العقيد إحسان انطباعًا عميقًا. كما في حياته، للأسف أيضًا في مماته، في أخذ المبادرة الهجوميّة والسّعي للمواجهة المباشرة مع العدو.

عائلة الفقيد العزيزة، لقد فقدت دولة إسرائيل اليوم قائدًا جريئًا، كان قائدًا طبيعيًا لجنوده ومصدر قوّة لقادته. رغم الحزن العميق الّذي لا يُحتمل، يجب أن تبقى شخصيّة إحسان، الابن، الزّوج، الأب، القائد، والمقاتل، رمزًا للأجيال القادمة في المجتمع الإسرائيليّ وفي جيش الدّفاع، ومصدر فخر وقوّة للطّائفة الدّرزيّة بأكملها.

الوالدان: سامي وضوية، الزّوجة: هدى، والأبناء: عمري، ريف وياسمين، أعدكم بأنّنا سنفعل كلّ شيء لتخليد طريق وذكرى إحسان وقِيَمه، وسنواصل السّير على دربه وفي مسارات إرثه. سيُكتب اسم العقيد إحسان دقسة من الآن وإلى الأبد بأحرف ذهبيّة بين أسماء أبطال دولة إسرائيل.

وستبقى ذكراك إحسان مباركة ومحفوظة في قلوبنا إلى الأبد.”

نائب رئيس الأركان الميجر جنرال أمير برعام في الجنازة:

“لقد كان العقيد إحسان دقسة القائد الأكثر إسرائيليّة الّذي التقيته، نحن معتادون على المعارك، والفقدان بالنّسبة لنا هو رفيق دائم – ومع ذلك، بقيت أفواهنا صامتة وعاجزة عن الكلام أمام حجم الخسارة الّتي أصابتنا إثر استشهاد العقيد إحسان، الّذي لم يكن سوى في الحادية والأربعين من عمره عندما سقط في المعركة، لكنّ الإنسان لا يُقاس بطول عمره، بل بالبصمات الّتي يتركها على من حوله، من خلال شخصيّته وأفعاله. العقيد إحسان، الّذي قاد رتل الدّبّابات في طليعة لوائه، جريء، حازم وقويّ، سيُذكر في صفحات تاريخنا كقائد محترف ومقاتل من الّطراز الأوّل، كان الأوّل في تطهير المنازل والأزقة من الإرهابيّين، وكان أيضًا الأوّل الّذي سقط هناك شهيدًا.

العقيد إحسان كان ابنًا لهذه الأرض وعاشقًا كبيرًا لها. إحساسه العميق بالمسؤوليّة، ولاؤه للدّولة، فخره بانتمائه للطّائفة، التزامه بزملائه ومرؤوسيه، تفانيه وروح الأخّوة القتاليّة – كلّ هذه الصّفات جعلته يتواجد هناك، في المكان الّذي سقط فيه أثناء أداء واجب حياته العسكريّة المليئة بالقيم، الّتي تجلّت في شخصيّته وفي أخلاقه في كلّ معاني النّبل والعظمة الّتي تميزّ حياة رجل الجيش المقاتل. قال ونستون تشرشل عن أمثاله: “أنا أحبّ الرّجل الّذي يبتسم أثناء قتاله” – ولهذا أحببته حبًا جمًا!

لقد قدّرتُ فيه قبل كلّ شيء قيادته الفريدة، الهادئة، المليئة بالثّقة بالنّفس، الإبداع، والقدرة على تحفيز قادته من الصّميم – وهي من أهمّ الصّفات، أو كما أفضّل تسميتها: “القائد غير الرّسميّ”، أيّ ذاك الّذي تنبع قدرته القياديّة بشكل طبيعيّ وتنمو من بين النّاس، من الأسفل إلى الأعلى.

لقد كان العقيد إحسان القائد الأكثر إسرائيليّة الّذي التقيته – ذاك الّذي يؤمن بعدالة الطّريق ويعرف كيف يشرح “لماذا نقاتل”.

عائلة دقسة فقدت اليوم أغلى ما تملك: إنسان رائع ومحبوب، هديّة من الله في قلب عائلة كبيرة ومميّزة. لكلّ أقاربه ترك في قلوبهم فراغًا هائلًا، يصعب تصوّره أو تعويضه.

أمّا نحن، فقد فقدنا شخصيّة مركزيّة في جيش الدّفاع، مقاتلًا شجاعًا، جريئًا، قويًا ومتفانيًا، وبلا أدنى شكّ كان يمكن أن يكون شخصيّة قياديّة محوريّة في الجيش، في قريته أو في الطّائفة – صاحب إمكانيّات هائلة للعمل والإبداع في جميع مجالات الحياة والمجتمع في إسرائيل.”

المرحوم الرّقيب تامر نبيل عثمان – كفر ياسيف

بعيون دامعة وبقلوب يعتصرها الحزن الشّديد ودّعت قرية كفر ياسيف والطّائفة الدّرزيّة في التّاريخ الموافق 26.11.2024 جنديًّا من خيرة شبابها الرّقيب تامر عثمان، ابن 21 عامًا، الّذي كان مقاتلًا في كتيبة نحشون (90) التّابعة للواء كفير، وقد استُشهد الرّقيب تامر عثمان خلال اشتباك بين جباليا وبيت لاهيا، أثناء عمليّة مداهمة في المنطقة وكجزء من القوّة القتاليّة للواء كفير.

وعُرف الرّقيب تامر بحبّه للحياة وللجيش وبتفانيه وخدمته للمجتمع وبحسن سلوكه وأخلاقه السّامية، وفور الإعلان عن استشهاده نعاه الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة سماحة الشّيخ موفّق طريف، قائلاً: “الحزن يضرب قرية درزيّة أخرى ويحصد شابًّا من خيرة أبنائنا. المقاتل البطل تامر نبيل عثمان سقط في الحرب. لا توجد كلمات لوصف الحزن والألم على فقدان شابّ في بداية حياته”.

“وأضاف: الطّائفة الدّرزيّة تستمرّ في دفع أثمان باهظة في هذه الحرب القاسية. نخسر أفضل شبابنا. أشعر بالألم مع عائلة عثمان الّتي انضمّت قسرًا إلى عائلة الثّكل. لقد مللنا من وعود قادة الدّولة الّذين يدلون بتصريحات خلال لحظات الحزن والفقدان. انهضوا وافعلوا شيئًا، وأثبتوا للشّهداء أنّ تضحياتهم لم تذهب سدى. أبناء الطّائفة يجب أن يكونوا متساوين وشركاء، ليس فقط في حمل العبء والتّضحية، ولكن أيضًا في الحياة اليوميّة”.

وقال العقيد احتياط شادي عثمان، ابن عم الرّقيب تامر، “إنّ الحزن والأسى يخيّمان على العائلة الّتي تركها تامر وراءه وأنّه من الصّعب استيعاب ما حدث. لقد كان الرّقيب تامر شابًّا سعيدًا، متواضعًا وهادئًا، نشأ في عائلة محبّة وداعمة”.

وتطرّق العقيد احتياط شادي عثمان، الّذي أنهى خدمته الدّائمة، مؤخّرًا إلى حديث أجراه مع الرّقيب تامر قائلًا: “لقد درس هندسة الاتّصالات قبل التّجنيد، ثمّ التحق بوحدة الاتّصالات في يونيو 2023، لكنّه لم يكتفِ بذلك وأصرّ على أن يكون مقاتلًا. استشارني، وقلت له إنّ هناك دائمًا قيمة إضافيّة للمقاتل في جيش الدّفاع الإسرائيليّ، وكان يطمح للوصول إلى هناك للمشاركة في المعركة. ومن المحزن أنّنا فقدناه في وقت مبكّر جدًّا”.

الرّقيب تامر رحمه الله ترك وراءه والديه، نبيل ولينا وثلاثة أشقّاء وئام، هديل وميار أطال الله أعمارهم.

مقالات ذات صلة:

حكمة الوجود

بسم الله الرحمن الرحيم أ‌- معنى الصانع قال الجنيد: أول ما يحتاج إليه من عقد الحكمة معرفة الصانع من مصنوعه،