الموقع قيد التحديث!

سيّدنا الشّيخ أمين طريف رحمه الله ومشايخ لبنان: مودّات متبادلة، وأخوة سامية آثلة.

بقلم الاستاذ الشيخ غسان يوسف أبوذياب
لبنان

إنّ ذكرَ الأولياء الصّالحين، وتسطيرَ مناقبهم يفوح مسكًا على صفحات القلوبِ والطّروس. قومٌ تناجَوا بالضّمائر، وتخاطبُوا بالسّرائر. مكارمُ أخلاقهم ومعالي هممهم تسترقّ القلوب وتسرق العقول، وتمتلك الأرواح. فسرى إلينا النّسيمُ بأخلاقهم الغرّاء، وابتسم لنا ثغرُ هذا العصر عن آثارهم الزّهراء. فأضحت الأفئدة مشغوفة بالتّعرّف إلى سيادتهم، مشغولة البال بالتّوسل إلى رياض مودّتهم.

هذا هو حال علاقة سيّدنا الشّيخ أمين الوليّ الطّاهر العالم العامل، مع مشايخ لبنان الأفاضل الأعلام الأوائل؛ علاقة النّحل الدؤوب مع الزّهرالمشرق الفوّاح، فالكلّ يأخذ ويعطي، في خمائل الصّفاء والجمال والنّقاء. فيا طيب الجنى شهدًا مباركًا : آداب دينيّة، وأخلاق رضيّة، وعـلومٌ منجّيّة، ومـناهج توحــيدية سنيّة . نفّعنا الله ببركاتهم وأعاد علينا من صالح دعواتهم آمين.

بداية التعارف:

     كانت بدايةُ التّعارف بين سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف رحمة الله عليه ومشايخ لبنان الأفاضل، عندما قصد سيدنا الشيخ أمين خلوات البياضة للتنسّك والتعبّد وهو في ريعان الشباب، فالتقى حينها بكوكبة من الشيوخ الأفاضل الأعيان أمثال: سيدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج، والشيوخ الأفاضل الشيخ أبو علي مهنا حسان،  والشيخ أبو حسين إبراهيم أبو حمدان، والشيخ أبوفندي جمال الدين شجاع، وغيرهم من السادة الأركان، ووقّره شيوخ لبنان وكرّموه لمّا رأوا التقوى لباسه، والتواضع دثاره، والصدق والصبر إزاره، وألبسوه العباءة البيضاء المقلّمة وتوّجوه تاج العزّ والكرامة (العمامة المكولسة)، لمّا أدركوا بنقاء بصيرتهم علوّ مقامه. وقد حصّل سيدنا الشيخ وهو في المكان الأزهر الشّريف ثقافة دينية توحيدية واسعة، أخذها عن مشايخ لبنان الأوائل الأماثل، وعاد إلى أدراج وطنه متزوّدًا نهجًا دينيّا سليمًا وافــرًا، وبالــوراعة وبالفضائل العفيّة ظافرًا.

سيدنا الشيخ أمين عنوان الوفاء، حَسَنُ الولاء:

قال الأستاذ الشيخ عبد الله طريف: “منذ نعومة أظفار سيّدنا الشّيخ أمين ربطته أواصر الصّداقة والقربى والمحبّة مع الأهل دروز لبنان…” وممّا نقل عن شيخنا الجليل الفاضل أبو علي حسين الحلبي:” كانت علاقة سيدنا الشّيخ أمين مع مشايخ لبنان وأهله نابعة من سر وحدة العقيدة والمذهب… وقال عنهم أي سيدنا الشيخ أمين: إنهم أحرارٌ في أقوالهم، أبطال في أفعالهم، يحفظون ظهر الصّديق… وهم فرسان الحق لا يخلفون الوعد مهما كلّفهم ذلك من الثّمن…”. وقد أينعت ثمار الوفاء، وحسن الولاء في قلب سيدنا  الشيخ أمين وعقله وحسّه، وقطفها مشايخنا وأهلنا في لبنان كرامات ومواقف ومكاتبات وزيارات، وأدعية مستجابة، وأفعال مستطابة:

–          فمن مواقفه المسدّدة رضي الله عنه وأرضاه، أثناء الحرب على إخواننا وأهلنا في لبنان، إنّه كان كالليث الهصور الهمام، يهدّر في الأعداء تارة، ويُسترسَلُ الدعاءُ الصّادق منه  تارة أخرى مضمّخًا بعَبَراتِ الإخلاص في مقام سيدنا شعيب عليه السلام، لينصرَ أهله وإخوانه في لبنان، فكان الدعاء مستجابًا، والعرين مصانًا ببركته وسدق ديانته ومحبته. وأما كراماته فتضيق بطون الأوراق عند ترادفها فغدت فوق سماء لبنان غمائم سلام يتفيّأ بظلّها أهلُنا وشيوخنا السادة الكرام في لبنان.

–          وأمّا مكاتباته لشيوخنا وأهلنا في لبنان فكانت تسطّر مجدَ شيخ وقور عطوف، وأبٍ غَيور رؤوف. منها مكاتيب تعزية، أو مكاتيب تهنئة، أو رسائل تسير على أجنحة النّصيحة والموعظة الحسنة وحسن الولاء.

–          وأمّا زياراته إلى لبنان فكانت أيام سعد، ينشر البشرُ فيها أعلامَه، وتُسْتَأسرُ النّفوسُ بكرمِه، وتُسْتَرَقُّ الأحرارُ بجميلِ صنعِهِ، فأولى النّعم والخيرات، وأسدى المعروفَ والبركات، وازدادتُ الآفاق بهجةً بهذا الطّالع السّعيد، وأخذ الأحبّة يتهادون رسائل البِشر فيما بينهم، وكلّهم فرحون بما لديهم بما أودع فيهم من روابط المحبّة، فبمثله تُشرقُ الدّنيا بطلعتِهِ، وتفرحُ الأخوانُ والأهل برؤيته. وقد التقى أثناء زياراته إلى لبنان بالسّادة المشايخ الأعيان: سيدنا الشيخ أبو علي يوسف أبو إبراهيم، وسيّدنا الشّيخ أبو حسن عارف حلاوي، وسيّدنا الشّيخ أبومحمد جواد وليّ الدّين وسيّدنا الشّيخ أبو محمد صالح العنداري وسيّدنا الشّيخ أبوريدان يوسف شهيّب، وغيرهم من الأعيان الأفاضل.

شعرًا:

وأرى  الــحياة   لــذيــذة بـحياتــه        وأرى الوجود مشرّفًا بوجوده

لو أنّني خيّرْتُ من دهري  المنى        لإخترْتُ  طــول  بـقائه  وخلودِه

مكانة سيدنا الشيخ عند مشايخ وأهل لبنان:

ذكر لي أحد الأخوان الأفاضل الثقات من بلادنا: “أن مجموعة من الأخوان من بلاد سيدنا الشيخ أمين وبعد وفاة سيدنا الشيخ سألوني سؤالًا دينيّا وكلّفوني أن أسأل سيدنا الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين رحمة الله عليه كي يقفوا عند رأيه وجوابه، فنقلت سؤالهم إلى حضرته، فقال لي:” كيف كانوا بتصرفون أخواننا على أيام سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف بهذا الموضوع ؟”. فأجبته عن حقيقة ما كانوا يتصرّفون به. فقال لي:” أرسل لهم سلامي وقل لهم: لن يأتيَ على بلادنا وعلى بلادهم بعد سيّدنا الشيخ أبو يوسف أمين شيخٌ مثيلٌ له ولا أعلى منه منزلة، ولِيبقُوا سائرين على النّهج الذي رسمه لهم على أيّامه، دون تقديمٍ أو تأخيرٍ”.

–          مقتطفات من كتاب أرسله سماحة الشيخ أبو علي سليمان بوذياب إلي سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف رحمة الله عليه: ” بسم الله الرحمن الرحيم

… إلى حضرة الشيخ الجليل المفضال العلم،النّدب المقدام المؤيّد المكرّم،الطّاهر التّقي الرّزين الأمين،الشّريف العطوف الشّفيق الحنين، الشجاع، والسيّد المُهاب المطاع، ذي الرّأي السّديد، والعزم الأكيد… سيّدنا وسندنا وقائدنا وتاجنا وعلمنا، ومشكى همّنا وألمنا، زينة الدّيار، وأهل الفخار، سيادة الشّيخ أبو يوسف أمين طريف شيخ الطائفة ورئيسها الفاضل، العالم العامل، النّاهض المبادر، المنتبه المستيقظ الساهر، على مراعاة حقوق العشيرة، وسلامة دينها وطريقها المنيرة…

    نحمد الباري تعالى أيّها الشّيخ المكرّم على وجودك وبقائك، وصونك وتأييدك وإعلائك…  يا ابن الأحرار،يا عضد الأخيار، يا ابن النبيّ شعيب البارّ،سلمْت وكَرُمْت وشرُفْت ودمت، وأبقاك المولى  ذو الإجلال على أحسن حال وأنعم بال، وليّا مباركًا في الدّيار… فالوليّ ريحان الله تعالى في الأرض يشمّه الصِّدِّيقون، فتصل رائحتُه إلى قلوبهم…” وقد ذكرت هذه المقتطفات من هذا الكتاب تأكيدًا للعلاقة الوثيقة الّتي كانت تربط بين سيّدنا الشّيخ أمين وسماحة الشّيخ أبو علي سليمان بوذياب أطال الله عمره.

–          نصّ الكلمة الّتي قرأها المرحوم الشّيخ أبو فندي باسمه واسم بلاد حاصبيا وجوارها ترحيبا وتباركًا بنزول سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين رحمه الله تعالى في رحاب خلوات البياضة الزّاهرة:

وقد ذكرنا هذه الأقوال النفيسة لنؤكّد من خلالها على مكانة سيدنا الشيخ أمين رحمة الله عليه عند أهل لبنان وشيوخها. والذي ذكرناه يبقى غيضًا من فيض.

فسيدنا الشيخ أمين كان في عصره نقطة البيكار التي تدور حولها طائفتنا الكريمة؛ بدعائه السادق، وغيرته المخلصة، ومحبته الحميدة، وآرائه السّديدة، ولم يأتِ بعد السّيّد الأمير جمال الدّين التّنوخي قدّس الله سرّه شخصية توحيديّة اجتماعية   حملت أعباء الطائفة الدرزيّة كما حملها سيّدنا الشّيخ المفضال الأمين رضي الله عنه وأرضاه… وقد قال عنه المرحوم الشيخ الفاضل أبوفندي جمال الدين شجاع  رحمه الله: “سيدنا الشيخ أمين بمثابة روح،ونحن باقي المجتمع بمثابة جسم”.    رحم الله سيدنا الشيخ أمين طريف، ومشايخنا الأعلام الأطهارفي لبنان وكل البلاد، وأطال الله بعمر الباقين من  أهل التقى والهدى الّذين بهم اقتدوا ولآثارهم اقتفوا.

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفية – العدد 146

الزيارة السنوية لمقام سيدنا شعيب عليه السلام في ذكرى الشحار وحضر المئات من مشايخ الطائفة الدرزية في زيارة لمقام النبي

العلاج بالزهور

العلاج بالزهور، هو طريقة طبية شائعة في العالم منذ القدم، حيث اعتقد الخبراء والمهتمون آنذاك أنه توجد في كل زهرة