الموقع قيد التحديث!

زاوية “العمامة” للصغار – حُطْ في الْخُرْجِ

amama
بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
الموسوعة التوحيدية للصغار

زاوية “العمامة” للصغار – قصص وآداب توحيدية من عبق الماضي وتراث بني معروف

الشَّيْخُ الأميرُ سّيْف الدّين يَحْيَى التَّنوخِيّ هُوَ مِنْ أبْرَزِ الْمَشايِخ الْمُوَحِّدين الدُّروز الَّذينَ تَوَلّوا مَنْصِبَ شَيْخِ الْعَقْلِ مُنْذُ الْعَهْدِ التَّنوخِيّ، وُلِدَ في لُبْنانَ، في قَرْيَةِ عْبيه سَنَةَ 1396 وَتُوِفِّيَ سَنَةَ 1455 م. جاءَ في مَجَلَّةِ “الضُّحى” أَّن الأميرَ سَيْف الدّين تُوُفِّيَ سَنَةَ 864 هـ. عَنْ عُمْرٍ ناهَزَ الْخامِسَ وَالسَّبْعين، قَبْلَ وَفاةِ الأميرِ السّيّد (ق) بِعِشْرينَ عامًا. ولمّا لَمْ يَكُنْ لَهً وَريثٌ يَرِثَهُ، ولا عَقَبٌ يَحْمِلُ اسْمَهُ، فَرّقْ مُعْظَمَ أمْوالِهِ وَوَزَّعَها عَلى الْفُقَرَاءِ وَالْمَساكين وَالْمُحْتاجين مِنَ الْمُسْتَجِيبينَ، كَمَا خَصَّ الْوُقوفات الْحَسَنَةَ عَلى الأكابرِ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ. جاعِلاً مُعْظَمَها لْلِأميرِ السَّيِّدِ حابِسًا جِهاتَها عَلَيْهِ. وَمْنِ أبْرَز آثارهِ الْباقِيَة مِصْحَفٌ مُكَرَّمٌ مِنْ خَطِّ يَدِهِ الْكَريمَةِ مَوْجودٌ في بَلْدَةِ رَأْسِ الْمَتْن.

كانَ الأميرُ سَيْفُ الدّينِ يَحْيَى خَطّاطاً بارِعاً وَكانَتْ لَهُ الْيَدُ الطُّولى في كِتابَةِ الْخَطِّ الْعَجَمِيّ (الْفارِسِيِّ) وَاشْتَغَلَ بِصِناعَةِ الصِّياغَةِ بَعْدَ أنْ أَخَذَ أسْرارَها مِن إسْطَنْبول، وَقيلَ مِنْ تَبْريز الْعَجَم. فَأَنْشَأَ قَوالِبَ غايَةً في الْحُسْنِ، وَصَنَعَ تُحَفًا يَعْجَزُ عَنْ وَصْفِها الِّلسانُ. فَتَحَسَّنَتْ أحْوالُهُ الْمادِّيَّةِ وَأَصْبَحَ عَلى جانِبٍ مِنَ الثَّراءِ وَالْيُسْرِ. وَكانَ يَطوفُ الأَنْحاءَ اللُّبْنانِيَّةَ في رُبوعِ تَنّوخٍ وَمَعَْنٍ، وَيَتَنَقَّلُ مِنْ قَرْيَةٍ لِقَرْيَةٍ مُمْتَطِياً فَرَسَهُ وَتَحْتَهُ خُرْجٌ مَلأَهُ بِالأَمْوالِ. فَكانَ إذا أَتى الْفُقَراءَ وَالْمَعوزينَ أَشارَ إلَيْهِم أنْ يَأْخُذوا مِنَ الْخُرْجِ حاجَتَهُم. وَإذا أَتى الأَغْنياءَ طَلَبَ إلَيْهِمْ أنْ يَضَعوا ما تَيَسَّرَ لَدَيْهِمْ مِمّا يَفيضُ عَنْ حاجَتِهِمْ وَهُوَ يَقولُ: حُطْ في الْخُرْجِ. وَهَكَذا حَتّى لا يَبْقى في الْبِلادِ مُحْتاجٌ أوْ مُعَسَّرٌ. وَقَدْ كانَ الأميرُ يَطوفُ الأنْحاءَ وَيَعودُ إلى بَيْتِهِ وَكَأنَّ الْخُرْجَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَمِنْ هُنا دَرَجَ الْمَثَلُ عِنْدَ الدُّروزِ: حُطْ في الْخُرْجِ، أيْ تَصَدَّقْ وَاعْمَلْ حَسَنَةً لِوَجْهِ الله، دونَ أنْ تَعْرِفَ مَنِ الْحاصِلِ عَلَيْها. وَهَذِهِ الظّاهِرَةُ تُمَثِّلُ خِصْلَةً حُلْوَةً مِنْ خِصالِ بَني مَعْروف، وَهِيَ الْمُساعَدَةُ وَالصَّدَقَةُ والْمُؤازَرَةُ وَدَعْمُ الضَّعيفِ وَالْمِسْكينِ وَالْمُحْتاجِ في الْمُجْتَمَع.
وَفي أيّامِنا يُسْتَعْمَلُ هذا الْمَثَلُ أيْضًا بِمَعْنى لا تحمل الهمّ والأحزان لأن الخُرج كان يفرّج الهموم ويساعد المحتاجين.


المصدر: الموسوعة التوحيدية للصغار، تحرير: المرحوم الشيخ سميح ناطور، 2004.

مقالات ذات صلة: