جلست قبل أيام في الاحتفال بمناسبة تخريج الفوج الحادي عشر من الكلية الدرزية قبل العسكرية في قاعة ديان في مؤسسة الشهيد الدرزي في دالية الكرمل وشعرت بالغبطة والفرح والسرور والتعالي وأنا أشاهد هؤلاء الفتيان الذين اخترناهم من بين أكثر من مائتي مرشّح ليندمجوا في الكلية وكانت تبدو عليهم علامات البراءة والسذاجة والنقاء والعفوية وبعض الخجل والتردد في التحدّث أو بالقيام في أي عمل. وقد رافقتهم خلال دراستهم وعندما وقفوا أمامي في التخريج رأيت بهم قادة المستقبل ولم أفاجأ من التحوّل الكبير الذي طرأ عليهم فتصرفات كل واحد منهم وحركاته تدلّ على ثقة بالنفس وعلى عزيمة قويّة وعلى إيمان مطلق بما يفعل وعلى قدرة في التعبير وعلى جرأة في التحدث وإبداء الرأي فشعرتُ بالطمأنينة أن هذا الفوج المكوَّن من أغلبية درزية وعدد من الشباب اليهود سوف تلمع أسماء أفراده بعد سنوات في قيادة الدولة وقلت: شتان ما بين وضعهم عندما دخلوا الكلية ووضعهم الآن. وهذا يزيدني فخرا واعتزازا بهذه الخطوة فقد رأيت في حينه أن المساواة في نطاق جيش الدفاع الإسرائيلي ووزارة الدفاع والقوى الأمنية بين الدروز واليهود تحقّقت بكاملها وكل شاب يستطيع أن يصل إلى أعلى المناصب بقدراته وليس بعائلته أو بكونه مدعوما من هذا أو ذاك.
وعندما رأيت بعد عشر سنوات عشرات الخرّيجين من الكلية يصلون إلى مواقع القيادة في الجيش وينضمون إلى أكثر القوات الهامّة اثناء خدمتم العسكرية وعندما نجد اليوم في قرانا عددا من الجنرالات الدروز وأن المعنوية لدى الشباب الدروز المتجندين ما زالت عالية وكل واحد منهم يطمح أن يتفوق وأن يتقدّم في الجيش وعندما أرى العائلات والقرى الدرزية بأغلبيتها داعمة لهؤلاء الشباب، أود أن أقول أننا وضعنا الأسس لبلورة وتكوين قيادة درزية في المجال العسكري، لا بد أن تأخذ مكانها الطبيعي بعد خدمتها العسكرية كذلك في المجال المدني وترفع من شأن الطائفة الدرزية ومن تعزيز مكانتها في الدولة، بالرغم من كال المحاولات البائسة من بعض الأفراد الدروز ومن بعض النشطاء الحزبيين المغرضين اليهود سواء من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف، يحاولون المس بالطائفة، فأنا مطمئن أن الأجيال القادمة من الشبيبة الدرزية سوف تأخذ مكانها الطبيعي في الدولة بجدارة وتكون من بين القادة البارزين في الدولة.
وفي هذه المناسبة أذكر أنني عندما انتُخبت للكنيست لأول مرة، قبل التحوّل الكبير في الدولة من حكم المعراخ إلى حكم الليكود، وكان رئيس الحكومة في ذلك الوقت صديقي المرحوم السيد إسحاق رابين وقد استقال من الحكم، وتم دخولي الكنيست بعد أن استقال من قائمة الليكود عضو الكنيست عكيفا نوف. وقد قمت بأداء اليمين الدستوري من على منصة الكنيست، كما هو متّبع وعندما نزلت من المنصة، هبّ لاستقبالي رئيس الحكومة السيد رابين، ورئيس المعارضة ورئيس حزبي السيد بيغن، ولاحظت أن السيد بيغن يهمس في أذن السيد رابين شيئا. وقد أصر الصحفيون بعد ذلك أن يعرفوا ماذا قال السيد بيغن للسيد رابين، وأفصح عمّا قاله إذ صرّح بالحرف الواحد: ” أنا وأنت معارضة وائتلاف، نعتز أن أول جندي مسرّح من جيش الدفاع الإسرائيلي يصل إلى الكنيست ليمثل طائفته.”, وقد زادني هذا التصريح فخرا واعتزازا، أن أخدم طائفتي بأكبر قدر ممكن. وقد جاء بعدي عدد من أعضاء الكنيست بعد أن كانوا ضباطا في جيش الدفاع الإسرائيلي، مثل العقيد احتياط اسعد أسعد، والرائد احتياط صالح طريف وغيرهما. وها أنا أرى أن نسبة الضباط الدروز في جيش الدفاع الإسرائيلي، هي أكثر بكثير من نسبة عدد السكان الدروز في الدولة، وأن الشباب الدروز في الجيش وبعد الجيش بتبوأون مناصب مرموقة، ويشغلون وظائف ذات أهمية، ومنهم السفراء والمدراء والأطباء والمحاضرون والمهندسون وغيرهم. لكن ذلك لا يكفي وعلينا كطائفة لها قيادة ومؤسسات أن نبذل أكبر جهد من أجل رفع المستوى العلمي والتعليمي في ربوعنا، لكي نصل على الأقل لنسبة المعدل القطري. وبالرغم من أننا حظينا حتى الآن بوجود شابة درزية مثقفة تعمل في ناسا( وكالة الفضاء الأمريكية) في درجة دكتوراه وبالرغم من انتساب عدد من أساتذة الجامعات الدروز بدرجة بروفيسور إلى معهد وايزمن وإلى التخنيون، وبالرغم من وجود رؤساء أقسام في المستشفيات، ورؤساء فروع تعليمية أكاديمية من أبناء الطائفة الدرزية، إلا أن ذلك لا يكفي، وعلينا أن نجنّد القوى ليزيد عدد الأكاديميين في قرانا. فلا يُعقل أن تكون قرية مثل عرابة أو كفر قرع، تضم في داخلها أكثر من خمسة آلاف جامعي وجامعية، وفي نفس الوقت قريتان – دالية الكرمل وعسفيا، بنفس العدد لا يصل عدد الجامعيين فيهما حتى الآن إلى الألف. ولهذا السبب نكثف جهودنا في الكلية قبل العسكرية لكي نوجّه الخريجين إلى الالتحاق في الجامعات أثناء خدمتهم العسكرية، كما اسسنا صندوقا لتقديم المنح الدراسية لأبناء دالية الكرمل ونقوم في كل سنة بالتعاون مع صندوق روتشيلد بتقديم منح دراسية قيمة كل واحدة منها 30000 شاقل تغطي تكاليف الدراسة، إلى أبناء وبنات العائلات الثكلى، لكن علينا أن نسعى أكثر وأن نجند قوانا وأن نخلق ثورة تربوية في كل بيت في القرى الدرزية يجعله يطمح أن يحصل جميع أبناء البيت على الأقل من الجيل الجديد بثقافة جامعية.
وفي هذه الأيام، تحتفل الدائفة الدرزية على المستوى الديني بزيارتين هامّتين لمقامين من أكثر المقامات قداسة في البلاد، وهما مقام سيدنا أبو إبراهيم (ع) ومقام سيدنا بهاء الدين (ع) في بيت جن حيث تجتمع القيادات الدينية التي اكتملت بعد انتخاب المجلس الديني الدرزي، وقيام المحاكم الدينية الدرزية وتعيين مأذونين رسميين من قِبل الوزارة، حيث من المفروض أن تقدَّم الخدمات الدينية على أحسن وجه، إذ أن بلادنا زاخرة بشخصيات لامعة في التقوى وفي التدين وفي التبحّر وفي المعرفة. ونحن نطالب أن يكون هناك تناسق بين متطلبات المواطن الدرزي المتديّن وغير المتديّن من ناحية ما هو مسموح وما هو غير مسموح له، بحيث تكون التعليمات والتنبيهات مناسبة لروح العصر الذي نعيش فيه، إذ أننا يهمنا جدا أن ينتسب أكبر عدد من شبابنا وفتياتنا للدين، لكننا نريدهم على مستوى من العلم والثقافة والرقي، يؤهلّهم للعيش بكرامة في المجتمع المتحضّر الذي يتقدّم بشكل سريع في القسم الأول من القرن الواحد والعشرين. وهنا أتقم بالتهاني والمباركات لأبناء العائلات الثكلى الدرزية، ولجميع أبناء الطائفة، بمناسبة حلول الزيارتين، راجيا من الله أن يحل السلام وأن يلتئم شمل الطائفة في كل مكان. وكل عام وأنتم بخير.