تواجد الدروز في أرض إسرائيل (فلسطين) منذ بداية دعوة التوحيد. فقد كان بعض المشايخ المشهورين الذين ذُكروا في رسائل الدعوة ممّن سكن بعض قرى الجليل الغربي من مؤسسي الدعوة. وبعض القرى التي كانت رائدة ومنتعشة وفعالة زمن الدعوة ما زالت قائمة حتى اليوم، وتشكّل تجمّعا درزيا هامّا، مثل قرى يركا وجث في الجليل الغربي، وهناك قرى خربت وتركها الدروز مثل قرى الحنبلية، كويكات، إكليل وميماس في الجليل الغربي، وكذلك قرى عين عاث في الجليل الأعلى، وداما والسافرية في الجليل الأسفل. ونتعلم من رسائل الدعوة، أن بعض القرى كانت مأهولة كلها، أو بعضها بمواطنين دروز. ومن هذه المدن والقرى مدينتا عكا والرملة، وهناك لمحات تاريخية تربط بين بعض العائلات، وبين بعض التلميحات لمدن وقرى درزية كانت قائمة ولكنها غير موجودة اليوم، مثلا عائلة عساقلة منبثقة من مدينة عسقلان،
يعيش الدروز اليوم في 17 قرية ومدينة واحدة شفا عمرو، تقع قريتان منهما على الكرمل وواحدة في الجليل الأسفل، والباقي في الجليل الأعلى والجليل الغربي. ثمانية من القرى هي قرى درزية محض، والباقي هي قرى مختلطة، وغالبا مع سكان مسيحيين. وكانت هناك شهادات تاريخية تدل أن عدد الدروز بالجليل كان أكثر من ذلك بكثير في فترات تاريخية معينة، وأنه كانت هناك قرى كبيرة مثل الجرمق وسلاّمة وهي غير موجودة الآن، فمثلا كتب المؤرخ شمس الدين الدمشقي (1236-1327) كتابه، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، بغداد 1923 صفحة 213) قائلا: “جبل الزابود الذي يشرف على مدينة صفد، وفيه قرية تحمل نفس الاسم، وحولها قرى أخرى، وسكان هذا الجبل هم من الدروز الحاكمية. وجاء في كتاب لمؤرخ آخر من القرن الرابع عشر، هو قاضي صفد، شمس الدين العثماني، الذي يكتب: “إلى هنا تتبع قرية البقيعة، وفيها مياه جارية، أشجار سفرجل كثيرة، وهنا جبل الزابود الذي يشرف على مدينة صفد وما حولها من قرى، فيها ثمار وفيرة، وفي هذا اللواء قلعة القرين وهي قلعة ممتازة… غالبية سكان هذه المنطقة هم من الحاكمية الدروز الزنادقة: فهم ينقضون الفرائض الإسلامية، ويعتقدون بتقمص الأرواح، ولا يؤدون الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج إلى مكة ولا قيام الأموات، وهم يحللون ما هو محرم بشؤون الزواج والمأكل والمشرب، يأكلون الجيف ولحم الخنزير، يشربون الخمور ويكثرون من زنا المحارم، ولا تغتسلون من قذارتهم، وهم يزرعون العشب المسكر (الحشيش) في قرة الزابود، ويصنعون خمورا كثيرة، وكثيرا ما يُرسل إليهم حاكم دمشق، إذا كان متدينا كتيبة تقضي على خمورهم وتجبرهم على أن يقسموا ألا يعودوا لذلك مرة أخرى، وهم يحترمون التزاماتهم، وينفذون ما وعدوا به”. (وقد جاء ذلك في مقال للمستشرق برنارد لويس بعنوان “الوجه العربي لقضاء صفد في مجلة PSOAS المجلد الخامس عشر (1953 ص 184-185).
ويذكر الرحالة التركي إفلييه شلبي، الذي زار البلاد بين السنين 1648-1650 هذه القرية الدرزية قائلا: “وصلنا إلى قبر صياح بن يحود (يهودا بن يعقوب) … وهو أحد أحفاد يعقوب… والقرى حول القبر كلها للدروز الزنادقة، الشعب الملعون الذي يسكن هذه الجبال ويتحدث بلغة مختلفة، عمليا السكان الدروز في هذه المنطقة يعرفون من أيام آبائهم مواقع مدافن الأنبياء واولادهم وأسمائهم الخاصة… على كل الأحوال من الصعب أن تصادق طائفة لشعب متمرد، لغتهم تشبه العربية، لكن لهجتهم مختلفة، وهذه تتطلب ترجمة، وهم قد يقتلون مسلما بسبب كسرة خبز (ورد في كتاب افلييه شلبي “أرض إسرائيل في القرن السابع عشر”، القدس 1980 ص 10-11). يذكر شلبي الاسم والقرية، وهي عنبتا، وأنه يعيش فيها مائة عائلة درزية، وكذلك قرية السوق العتيق، على بعد مسافة سير ساعة من عنبتا، وفيها تعيش مائتا عائلة درزية.
الاستيطان الدرزي في الكرمل هو جديد نسبيا، وقد أتى الدروز إلى الكرمل من جبل لبنان وضواحي حلب، وأقاموا فيه 8 قرى، ظل منها قريتنا عسفيا ودالية الكرمل، لا يُعرف بالضبط متى بدأ هذا الاستيطان. وتقول إحدى العائلات في عسفيا: “إن هذه العائلة استوطنت الكرمل عام 1475 حيث جاء ستة إخوان من عائلة وهب، تركوا قريتهم في لبنان بعد نزاع عائلي، وسكنوا على سفوح جبل الكرمل الشمالية، في مكان أُطلق عليه اسم خرب وهب، وذلك فوق موقع مستوطنة الياجور. وبعد ست سنوات اكتشف الإخوان بالصدفة موقع قرية عسفيا، وقدمت بعد ذلك عائلات درزية أخرى، وهكذا بُنيت قرى في أماكن كانت خالية من السكان. لا يوجد أي دليل تاريخي مكتوب لمجريات عائلة وهب، ممكن أن تكون عائلة وهب من العائلات الأولى التي استوطنت الكرمل، لكن لا يمكن الموافقة على التاريخ الذي حدّدته، وممكن التفكير أن هذا الاستيطان حدث في عهد حكم الأمير فخر الدين المعني الثاني (1590-1635) وبتأثيره، ومن المنطقي الافتراض أن الاستيطان الدرزي في الكرمل، حدث بعد حكم فخر الدين المعني، فقد عُين حاكما على ولاية الشوف الأمير يوسف علم الدين، وهو زعيم دروز اليمنية الذي حارب القيسية التي تتزعمها آل معن، ولم يتنازل القيسيون وقاموا بقيادة الأمير ملحم ابن أخ الأمير فخر الدين، وحاربوا اليمنيين وأرادوا بذلك إعادة الحكم إليهم، وكان هذا النزاع داميا وطويلا، وقد خسر اليمنيون وتم القضاء عليهم كليا عام 1711، حيث اصطدم الطرفان في معركة قاسية، وقام القسم المغلوب بالاستيطان في جبل حوران، وأقاموا جبل الدروز، وقام قسم آخر بالتوجّه إلى الكرمل، حيث انضمّ إليهم مواطنون دروز من منطقة حلب، واستمرت الهجرة من منطقة حلب بسبب ظلم الموحدين الدروز هناك. وقد أراد المستوطنون الدروز الجدد في حوران والكرمل إقامة مقر لهم في مناطق خاليةـ يمكن الدفاع عنها، وقد انتظم الوضع مع سكان جبل حوران، فتلاحقت الهجرات إلى الجبل، وكبر عدد السكان وقوي. أما في الكرمل فقد كان حظهم اقلّ، لأن الكرمل ليس محميا طبيعيا مثل جبل حوران، وهو قريب جدا من مركز السلطة في حيفا وعكا، لذلك ضعف وقلّ عدد الدروز في الكرمل مع الوقت. وبالإضافة إلى السلطات العدائية العثمانية، واجه الدروز في الكرمل تعدّيات وتخريب وسطو ونهب من المواطنين المسلمين في المنطقة. كان الدروز في الجليل أقوياء وكثر بالنسبة لإخوانهم في الكرمل وأُطلق عليهم اسم دروز بلاد صفد. وقد كان في منطقة وادي سلاّمة تجمّع درزي كبير في قرية سلاّمة، ووقعت مناوشات بين أهل عرّابة المسلمين وسكان وادي سلامة، وتدخّلت السلطات العثمانية، وقضوا على التواجد الدرزي هناك، وانتقل السكان إلى المغار والبقيعة ومناطق أخرى.