الموقع قيد التحديث!

تعرّف على..

بقلم الشّيخ أبو توفيق سليمان سيف
يانوح

1-           رابعة العدوية

هي أمّ الخير رابعة بنت إسماعيل العدويّ (717- 801م، البصرة)، العابدة الجميلة التّقيّة الشّاعرة الّتي يُنسب إليها ابتكار مفهوم الحُبّ الإلهيّ (عوضًا عن الخوف) في الحركة الصّوفيّة يكتنف حياتها الغموض (بل يُقال بأنّ الاسم هو لأكثر من شخصيّة واحدة)، ولكن يُحكى عنها بأنّها وُلدت عام 100 للهجرة، لأبٍ عابد فقير، وقد سمّاها يائسًا “رابعة” لأنّه كان يتمنى أن يُرزق بصبيّ بعد بناته الثّلاث. وفي العاشر من عمرها تيتّمت من أبيها ومن أمّها بعد قليل، والّذي لم يترك لها ولأخواتها سوى زورق ينقل به الناس عَبْرَ أحد الأنهار لقاء أجر زهيد. ثمّ اشتدّ الفقر والمجاعة فأُرغمت الأخوات على مغادرة البصرة، تفرّقن وتشرّدت رابعة، ثمّ اختطفها قطّاعي الطّرق وباعوها لتاجر قاسٍ، حيث أرغمها على الغناء والرّقص والسُّكر. ولكن يقول المطّلعون، كالفيلسوف والمؤلِّف المصريّ الكبير عبد الرحمن بدوي بأنّ من المُستبعَد أن تكون رابعة قد غاصت كثيرًا بالشّرور والشّهوات، نظرًا لنشأتها الّدينيّة. إلّا أنّ قلبها سرعان ما تيقّظ ورفض هذه الحياة الدّنيئة فأخذت تتضرّع لله أن يخلّصها، حتّى تحرّرت، ومن حينها وحتّى مماتها، لم تتوقّف عن العبادة والمناجاة لربّها بأجمل الأشعار (ورفضت الزّواج مِرارًا)، حتّى بلغت التّنوير. ثمّ قيل إنها توفّيت في القدس ودُفنت بكنيسة الصعود في جبل الزّيتون المبارك. وكباقي الصّوفيين (الّذين عاشرت بعضهم)، لها قصص ومآثر كثيرة جدًّا في حياتها، ولكلّ واحدة منها عِبرة مؤثّرة وعميقة، وبالمناسبة، إنّ لائحة الأولياء الصّوفيّين الأفاضل (ر) تشتمل أيضًا على : حسن البصريّ، الفُضيْل بن عيّاض، معروف الكرخي، أبي سليمان الدّاراني، أحمد السّبتي، ذي التّون المصري، أبي يزيد البسطامي، مالك بن دينار، سريّ السّقطي، سُهيل التُّستري، إبراهيم بن أدهم، شقيق البلخي،  حاتم الأصمّ، بِشر الحافي، يحيى بن معاذ، أبي حازم، أبي سعيد الملطي، عبد الله بن مبارك، حمد بن سوار، الجُنيد، الحلّاج وغيرهم…

2-      أبي العلاء المعرّي

قبر أبو العلاء داخل المركز الثقافي الحامل اسمه في معرَّة النُعمان بسوريا

إذا كان أبو الطّيّب المتني يُعتبر أشعر وأفذذ وأبرع الشّعراء العرب إطلاقًا، فإنّ أبا العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التًنوخي المعرّي (973-1057م معرّة النّعمان) يُعتبر ربّما الثّاني بعده، والأوّل من حيث الدهماء والعمق الفلسفيّ، وسعة الاطّلاع. وُلد هذا الشّاعر والأديب واللّغويّ والفيلسوف والمفكِّر الحرّ بمدينة معرّة النّعمان في شمال سوريا، لعائلة مرموقة تُجيد الشّعر، فتلقّى الدّراسة الشّعريّة وأتقنها وهو في سنٍّ صغير بفضل ذكائه المتّقد وذاكرته الخارقة، هذا رُغم إصابته وهو في الرّابعة بسبب الجدري. ثمّ درس لاحقًا بحلب وأنطاكيا وغيرهما مواضيع عديدة كالنّحو والحديث والفقه والتّفسير والمذاهب، حتّى صار آية في معرفة التّاريخ والأخبار  واللّغويات (بل كان يعرف عشرات المرادفات للكلمة والواحدة)، وبعد ذلك  سافر إلى بغداد وأقام فيها لسنتين وقابل عُلماءها، حيث التمّ حوله كثير من النّاس والتّلاميذ، لأجل محاضراته البارعة حول الشّعر والنّحو والعقلانيّة والدّعوة إلى المنطق والعلم ضد ادعاءات العادات والتّقاليد والسُّلطة، ولكنّه لمّا عاد عام 1009م) إلى معرّة النّعمان اعتزل النّاس ولازم  بيته زاهدًا  بشدّة من كلّ شيء (بل يُحكى بأنّه عاش خُضريًّا (نباتيًّا) ل 45 سنة  تقريبًا، ولم يتزوّج قطّ) حتّى صار يُلقّب ب “رهين المحبسيْن”، يقصدون بذلك منزله  وعماه (ولكن يُحكى بأنّ الأصحّ هو “رهين الثلاثة محابس”: منزله وعماه وأيضًا كون النفس  محبوسة في الجسد” كما كان يقول). وخلال عزلته الشّخصيّة هذه (وقبلها أيضًا). انعكف على التّأليف والكتابة بكثرة، فأوّل مؤلّفاته وهو الّذي شهره في شبابه، كان ديوانه المُبدع “سقط الزند”. أمّا مؤلّفاته المهمّة الأخرى فمنها: ديوان :لزوم ما لم يَلزم”، (الّذي أبدع فيه بالتزامه بقوافٍ مُفرطة جدًّا وحذقة)، كتابه “رسالة الغفران: (ويحكي فيه عن رحلة خياليّة نحو الجحيم والجنّة في العالم الآخر، بما فيها  من مقابلات وحوارات  مع أغلبية شعراء الجاهلية وغيرهم من المشاهير الّذين يقطنون هناك، وهو من أهمّ وأكثر الكتب تأثيرًا في تراث الأدب العربي، بل يُحكى بانّ (دانتي) بذاته كان قد استلهم الكوميديا الإلهيّة الشّهيرة منه)، “قرات وفترات”، (أو فصول وغايات”، وهو عبارة عن مجموعة من المواعظ، حاول فيها محاكاة القرآن الكريم بلاغة وفصاحة) “مُعجزة أحمد”  (عن المتنبي)، “رسالة الملائكة”، والعديد العديد غيرها. لقد اختلف العلماء جول موقف أبي العلاء الدّينيّ، فقد كان ذا نزعة تشكيليّة وعقلانيّة حادّة (وشديد التشاؤميّة).  ولكن يعتقد البعض بأنّ رغم أنّه ربّما لم يكن يؤمن بالأديان (وربّما وصفها بالأوهام والمؤامرات الاجتماعيّة)، إلا أنّه من خلال كتاباته يُستدلّ بأنّه كان يؤمن حقًّا بوجود الخالق، بل وكان فاضلًا بطبعه وأفعاله.

3-      الحلّاج

مرقد الحلاج في بغداد

إنّه أبو المغيث الحسين بن منصور الحلّاج (858-922م)شهيد الصّوفيّة والحبّ الإلهيّ، وقد كان شاعرًا وناسكًا ومفكّرًا لاهوتيًّا ، أصله فارسيّ، ولكنّه في طفولته استقرّ وأهله بمدينة واسط العراقيّة، ثمّ حفظ القرآن وتتلمذ لدى كبار الصّوفيّين، وبعد أن تزوّج، ذهب ليحجّ إلى مكّة، ومكث هناك سنة يمارس أقسى أنواع الرّياضات الصّوفيّة التهذيبيّة، وبعكس معظم معاصريه كان يؤمن بأنّ العلوم الرّوحانيّة والعشق الإلهي يجب أن تكون متاحة لكلّ النّاس وليس فقط للنّخبة، فطاف البلاد، واعظّا مدرِّسًا كاتبًا حول محبّة المولى بعمقٍ وبدون رسميّات (حيث ألّف كتابه الطّواسي”). ثمّ استقرّ أخيرًا ببغداد بعد أن التفّ حوله المريدون. وقد كانت تعاليمه غريبة عن تلك البيئة وأهل ذلك الزّمان، ممّا ساهم بتكوين عداوة كبيرة من البعض ضدّه، خاصّة بعد أن فهموا كلامه واعتقدوا بأنّه يدّعي الألوهيّة، فكفّروه، فسُجن 11 عامًا، ثمّ عُذّب بالصّلب وتقطيع الأطراف أمام جمهور غفير، ثمّ قُطع رأسه وأُحرقت جثّته. ولكن يقال إنّه واجه كلّ ذلك بهدوء ورضى، بل يتوقّف للحظة عن دعوة الله بأن يغفر لقاتليه!. v

مقالات ذات صلة:

زيارتكم مقبولة

لقد تعوّدنا، نحن مواليد الأربعينات والخمسينات والستينات، على زيارة مقام سيدنا أبي إبراهيم عليه السلام، وذلك قبل أن تكون زيارته