- بِنْيامِيْن دُنْكِلْمان هو الذي طلب لقاء وُجَهاء الدُّروز بعد أَنِ استلم قيادة قائد الِّلواء العسكريِّ الإِسرائيليِّ السَّابع في الجليل بتاريخ 5.7.1948.
- مُرْدَخاي ﺷﺨﻴﭭيتش هو الَّذي نظَّم ذلك الِّلقاء، بِالرَّغم من معارضة ضابط المخابرات حاييم أُويِرْباخ، وكذلك رئاسة المخابرات الإِسرائِيليَّة.
- ألضُّبَّاط الذين اشتركوا في ذلك الِّلقاء كانوا، بالإضافة إلى بِنْيامِيْن دُنْكِلْمان نفسه، حاييم لاسْكُوﭪ، قائد المنطقة الشَّماليَّة، ومُرْدَخاي ﺷﺨﻴﭭيتش، المندوب عن الوكالة اليهوديَّة، وحاييم أويِرْباخ، ضابط المُخابرات.
- هؤلاءِ الضُّبَّاط الكبار الأَربعة أَتَوْا خفيةً في الَّليل إِلى يِرْكا، ووصلوا إِليها مشيًا على الأَقدام.
- أَلِّلقاء تَمَّ حينما كان الجليل لا يزال تحت سيطرة جيش الإِنقاذ العربي بِقيادة أَديب الشِّيشَكلي وفَوْزِي القاوُقْجي.
- بنيامين دُنْكِلْمان كان يعي تماما أَنَّ الدُّروز كادُوا أَن يقتلعوا الجيش الفرنسي من سُوريا خلال أَحداث الثَّورة السُّوريَّة الكُبرى، ولم يكُن راغبًا في مُقارعتهم في الجليل.
- رُبَّما كان لاستبسال الكتيبة الدُّرزيَّة، “كتيبة جبل العرب”، أَو “كتيبة إِقليم البِلَّان”، الَّتي تَرَأَّسها الضَّابط الدُّرزي الُّلبناني شكيب وهَّاب، في القتال في معركة الهُوشِة والكَسَايِر، المعروفة بِالعبريَّة بمعركة رَمَات يُوحَنَان (קרב רמת יוחנן)، قُرب بلدة شفاعمرُو، والَّتي وقعت بتاريخ 16.4.1948، دورٌ كبيرٌ في اقتناع بِن دُنْكِلْمان في عدم الرَّغبة في قتال الدُّروز.
- بِنْيامِيْن دُنْكِلْمان كان يهدف من ذلك الاجتماع إلى تجنيد الدُّروز إِلى جانبه في القتال، أَو على الأقلِّ إِلى ضمان حيادهم.
- بِنْيامِيْن دُنْكِلْمان يقول أَنَّه كان يشعر أَنَّ زعماء الدُّروز، أَثناء لقائِه معهم، كانوا يعلمُون جيِّدا أَنَّ قرارًا خاطئا من طرفهم قد يُؤَدِّي إلى دمار قراهم وإِلى تشتيت عائلاتهم.
- تقَّرر خلال ذلك الاجتماع الَّليلي أَن يلتزم الدُّروز جانب الحياد.
- أثناء الحرب عام 1948 بقي الدُّروز في قراهم، وخلال الحرب، وبعدها أَيضًا، استضافُوا عشرات آلاف النَّازحين والمُهجَّرين العرب من بيوتهم وبلداتهم.
- قبل اندلاع الحرب عام 1948 أشار الأمير مجيد أرسلان وسُلطان باشا الأَطرش على دُرُوز البلاد، وشَدَّدَا عليهم، بِالتَّصرُّف بحكمةٍ خلال الحرب، وبعدم النُّزُوح عن أَراضيهم وقُراهم تحت أَيِّ ظرفٍ من الظُّروف.

بِنْيامِيْن “بِن” دُنْكِلْمان
وُلِدَ بِنْيامِيْن دُنْكِلْمان، أو “بِن” دُنْكِلْمان اختصارًا (בּנימין “בּן” דונקלמן, Benjamin “Ben” Dunkelman)، عام 1913 بمدينة تُورُونتُو بكندا لِأَبَوَيْنِ يهوديَّيْنِ غنيَّيْنِ من أَصل ﭘُﻮلَنْدِي. قَدِمَ إِلى البلاد عام 1931، وعَمِلَ في الزِّراعة والحراسة في المستوطنات الزِّراعيَّة اليهوديَّة في السَّهل السَّاحلي الأَوسط، ثُمَّ عاد إِلى كندا عام 1932، ومرَّةً أُخرى عاد إِلى البلاد عام 1935، وبقي هُنا إِلى عام 1939، ثُمَّ عاد مرَّةً أُخرى إِلى كندا. تجنَّد عام 1940 لِلجيش الكندي، وكان أَحد أَفراد الدُّفعة الثَّانية من الفرقة العسكريَّة الكنديَّة الَّتي أُنْزِلَت بشاطئ جُوْنُو (Juno Beach) في نُورْمانْدِي بشمال غرب فرنسا بتاريخ 6.6.1944، ضمن عمليَّات الإِنزال الشَّهيرة لِجُيُوش الحُلفاء في تلك المنطقة، وهناك شارك في معاركَ ضارية، قُتِلَ فيها كثيرون من رفاقه الجُنود الكنديِّين، في شمال غرب فرنسا، وفي هولندا وبلجيكا وأَلمانيا، من بينها كانت معارك “كِيْن” و “فَالِيْز” و “شِلْت” (Caen, Falaise & Scheldt Battles) ، ومع تقدُّم الحرب العالميَّة في أَوروبا رُقِّيَ إِلى درجة “رائِد” (Major)، وكان له دورٌ كبير في دحر الجيش الأَلماني في موقع هُوﺧْﭭَﺎلْد (Hochwald) بِشمال غرب أَلمانيا، وعلى دوره العسكري البُطُوليِّ في هذه المواقع مُنِحَ بِتاريخ 5.3.1945 وسامًا عسكريًّا بريطانيًّا رفيعًا(Distinguished Service Order, DSO). بعد النَّصر على أَلمانيا عاد إِلى كندا، وفي شهر آذار عام 1948 قَدِمَ إِلى البلاد، في نطاق كتيبة مُتطَّوِعي خارج البلاد من اليهود والمسيحيِّين، أَو كتيبة “مَاحَال” بِالعبريَّة (מתנדבי חוץ לארץ, מח”ל)، وشارك في فكِّ الحصار الأُردني على مدينة القُدس ضمن العمليَّتَيْنِ العسكريَّتَيْنِ الشَّهيرتَيْنِ “هَرْئِيْل” (16 – 21.4.1948) (מבצע הראל)، و “يَبُوْسِي” (מבצע יבּוסי) (22.4 – 4.5.1948)، وبتاريخ 5.7.1948 عيَّنه داﭬﻴﺪ بن ﻏُﻮريون قائدًا لِلِّواء العسكريِّ الإِسرائيليِّ السَّابع، ومُنِحَ رتبة “مُقَدَّم” (סגן אלוף). أَلِّلواءُ العسكريُّ السَّابع، تحت قيادة بِن دُنكِلْمان، احتلَّ غالبيَّة الجَلِيْلَينِ، الأَعلى والأَسفل، ضمن “عمليَّة حِيْرَام” (מבצע חירם) (29 – 31.10.1948).
بِن دُنْكِلْمان رفض أَمرًا أَصدره إِليه حاييم لاسْكُوﭪ ثلاث مرَّاتٍ لطرد سكَّان مدينة النَّاصرة منها بعد احتلالها، وبسبب ذلك عزله لاسْكُوﭪ، بعد مُرُور اثنتي عشر ساعة من آخرِ رفضٍ له، وعيَّن ضابطًا آخر مكانه.
بِن دُنْكِلْمان تزوَّج من يَعِيْل لِيفشِيتس (יעל ליפשיץ)، مُساعدة الجنرال يعقُوب دُورِي (רב אלוף יעקב דורי)، رئيس الأَركان العامَّة لِلجيش الإِسرائيلي، بتاريخ 10.11.1948. حفل الزَّواج أُجْرِيَ في مدينة حيفا، وقد أَجْرَى الشَّيخ مرزُوق معدِّي لِلزَّوجين، مُباشرةً بعد حفل زواجهما، حفلَ زواجٍ ثانيًا في يِرْكا، وأَهداهُما خلاله هديَّة ثمينة. في هذا الأَمر سوف تكون لنا مقالةٌ خاصَّة.
بعد انتهاء الحرب بقي بِن دُنْكِلْمان في البلاد مدَّةً قصيرة ثُمَّ عاد بعدها إِلى كندا وعَمِلَ هُناك في أَعمالٍ حُرَّةٍ، وتُوفِّيَ بمدينة تُورونتُو عام 1997.
أَلإِجتماعُ في يِرْكا
أَلاجتماع الَّذي نتحدَّث عنه كان اجتماعًا ليليًّا، وسِرِّيًّا، ومصيريًّا أَيضًا، وعُقِدَ في بيت الشَّيخ مرزُوق معدِّي (1913 – 1992) بِيِرْكا عام 1948، بين قائد الِّلواء العسكري الإسرائيليِّ السَّابع، الضَّابط الكندي – الإِسرائيلي، المقدَّم بنيامين دُنْكِلْمان، برفقة المقدَّم حاييم لاسْكُوﭪ (חיים לסקוב)، قائد المنطقة الشمالية في حينه، ومُردخاي ﺷﺨﻴﭭيتش (מרדכי שכיביץ)، المندوب عن الوكالة اليهوديَّة، وصديق الشَّيخ مرزُوق معدِّي، وحاييم أويرْباخ (חיים אוירבך)، ضابط المخابرات الإِسرائيليَّة في الِّلواء السَّابع، وصديق الشَّيخ علي ملحم معدِّي. أَلرَّجُل الذي نظَّم ذلك الِّلقاء كان مُرْدَخاي ﺷﺨﻴﭭيتش، وقد جرى الاجتماع بالرَّغم من المُعارضة الصَّارمة للمخابرات الإسرائيليَّة، أو ” الشَّاي” (ש”י, שירות הידיעות של ההגנה)، وعلى رأسها حاييم أُويِرْباخ، أو “أَوَرْباخ”، كما كان يُعرف لدى السُّكَّان العرب في الجليل، مندوبها في الِّلواء السَّابع، وقد غيَّر هذا الرَّجُل اسم عائلته فيما بعد إِلى “شَدْمِي”، وأَصبح اسمُهُ حاييم شَدْمِي (חיים שדמי). أَلهدف من ذلك الاجتماع كان تجنيد الدُّروز إلى جانب الجيش الإسرائيلي في الحرب، أو على الأقلِّ ضمان حيادهم.
نحن لا ندري بالضبط تاريخ ذلك الاجتماع، ولكنَّ لا بُدَّ أَنَّه حصل بعد استلام بِنْ دُنْكِلْمان قيادة الِّلواء العسكريِّ الإسرائيليِّ السَّابع، وكان ذلك بتاريخ 5.7.1948، وقبل احتلال بلدة شفاعرو من قبل الجيش الإسرائيلي، وكان ذلك في الَّليلة الَّتي فصلت بين نَهَارِي 13 و 14 تمُّوز عام 1948.
هذه الأُمور واردةٌ في الفصل الرَّابع والعشرين من سيرة حياة بِن دُنْكِلْمان، التي دوَّنها بنفسه وأَصدرها على شكل كتاب بالإِﻧﭽﻠﻴﺰيَّة نشرة عام 1976، ودعاه (Dual Allegiance)، أي “ولاءٌ مُزدوج”، وهو يقصد بذلك ولاءه لدولة كندا، ألدَّولة التي وُلِدَ بها، ولدولة إِسرائِيل، أَلدَّولة التي كان يشعر بانتمائِه إِليها. وقد تُرْجِمَ ذلك الكتاب إلى العبريَّة على يد أرْيِيْه حَشْبِيَاه (אריה חשביה)، ونُشِرَ عام 1977 على يد دار النَّشر “شُوْكِن” بمدينة تل أبيب، تحت الاسم “נאמנות כפולה”، ولكنَّ الترَّجمة العبريَّة غير دقيقة بالقدر الكافي، وهي تخلو من الخرائط والصُّور التي تتعلق بخدمة بِنْ دُنْكِلْمان مع الفرقة العسكريَّة الكنديَّة في أُوروبَّا في الحرب العالميَّة الثانيَّة، والَّتي أَرفقها مُؤلِّفُ الكتاب إلى الطَّبعة الأصليَّة لكتابه.
نحن ترجمنا أَقوال بِنْ دُنْكِلْمان عن سيرة حياته بالطَّبعة الأَصليَّة، أَيِ عن الطَّبعة الإِﻧﭽﻠﻴﺰيَّة.
هكذا يقول بِنْ دُنْكِلْمان:
(الكلمات والفقرات الموجودة بداخل أَقوس هِلاليَّة كبيرة هي من عندنا، ونحن أَضفناها من أَجل التَّفسير والتَّوضيح).

“بدأتُ الآن (بعد استلام قيادة منطقة الجَلِيْلَيْنِ الأَعلى والأَسفل، بتاريخ 5.7.1948)، بتخطيط العمليَّات (العسكريَّة) المُقبلة لِلِّواء (الِّلواء الإِسرائيلِّي العسكريِّ السَّابع). لم أَشَأ أَن أَبقى مُكتفِيًا بِالدِّفاع غير الفعَّال، أَلَّذي نحتفظ من خلاله بالسَّهل السَّاحلي والتِّلال المُحصَّنة (سهل عكَّا والتِّلال الغربيَّة لِلجَلِيْلَيْنِ الأَعلى والأَسفل) الَّتي احتللناها. آن الأَوان كي يقوم الِّلواء بِأَعمالٍ هُجوميَّة ضدَّ قوَّات (فَوْزِي) القاوُقْجِي في تلك التِّلال. إِستطلاعاتي الجوِّيَّة زوَّدتني بفكرةٍ مُعيَّنة حول المصاعب الَّتي سوف نُواجِهُها حينما نُحاول أَن نندفع باتِّجاه منطقة التِّلال تلك، الَّتي كان يصعُبُ اختراقُها ويسهُل الدِّفاعُ عنها”.
“لم تكنِ المنطقة صعبةً فحسب، فغالبيَّة سكَّانها كانت، وبشكلٍ ساحقٍ، من مُتكلِّمِي العربيَّة (مِنَ العرب)، ولذا كان من الواجب اعتبارهم مُعادِين (لِلجيش الإِسرائيلي). معظم السَّكَّان كانوا عربًا، بعضُهم كانوا من المُسلمين، وبعضُهم الآخر كانوا من المسيحيِّين، خصوصًا من المَوَارِنَة، ولكن كانت هناك، بِالإِضافة لذلك، طائفةٌ هامَّةٌ أَخرى تعيش في تلك المنطقة، تلك كانت طائفة الدُّروز . بعض الدُّروز يعيشون في قُرًى خاصَّةٍ بهم، وبعضُهم الآخر يعيش في قرًى مُختلطة مع العرب”.
“نظرًا لِأَنَّ الدُّروز لعبوا دورًا هامًّا في العمليَّات (العسكريَّة) لِلوائي، فمن الأَنسب لي أَن أَتحدَّث قليلًا عنهم في هذا الموضع. أَلدُّروز هم طائفة تتكلَّم العربيَّة، وهم يعيشون في سوريا ولُبنان وفلسطين، ولهم عقيدتُهم التَّوحيديَّة (الخاصَّة)، بدون مَبَانٍ دينيَّة ضخمة أَو كَهَنُوت، ومعتقداتُهم تُحفظ بسرِّيَّة تامَّة، مع أَنَّه معروفٌ جيِّدًا أَنَّهم يعتبرون الحِفاظ على أَمن أِخوتهم واجبًا دينيًّا. هذا التَّشديد على الوحدة ليس مُفاجئًا، وذلك على ضوء الوضع الخطير لهذه الطَّائفة الصَّغيرة في الشَّرق الأَوسط، وبِالرَّغم من أَنَّ لِلدُّروز أَشياءً مُشتركةً كثيرةً مع العرب، وهي الُّلغة والثَّقافة والتّقاليد، فإِنَّ هناك فُرُوقًا هامَّةً بينهم، فالعلاقات العربيَّة -الدُّرزيَّة كانت عدائيَّةً على الغالب. بقاؤُهُم الَّذي دام لِمُدَّة قُرون كأَقليَّة منحهم صفتينِ تبدُوانِ مُتناقضتينِ لأَوَّل وهلة، تلك الصِّفتانِ هُما المُسايَرة وغِوَايَة الحرب، وهُمُ مشهُورون بربط أَنفسهم مع الأَقوياء أَيًّا كانُوا، ولكنَّهم، وفي نفس الوقت، مُحاربُون أَشدَّاء ومُمتازُون”.
“عندما استلمت قيادة المنطقة (قيادة منطقة الجليل، في نطاق رئاسة الِّلواء (الإِسرائيلِّي العسكريِّ السَّابع)، أَقلقتني كثيرًا مقدرتُهم العسكريَّة، تذكَّرت أَنَّ الثَّورة الدُّرزيَّة خلال سنوات العشرين (من القرن العشرين) كادت أَن تقتلع الجيش الفرنسي من سُوريا. طلبتُ معلوماتٍ عن الدُّروز، وفوجِئتُ بِسُرورٍ حينما علمتُ أَنَّ ذلك الأَمر لم يكُن صعبًا، فإِلى لوائي أُلْحِقَ رجُلان كانت لهما علاقاتٌ لسنينٍ طويلةٍ معهم (مع الدُّروز)، هذانِ الرَّجُلانِ كانا حاييم أُويِرْباخ، ضابط المُخابرات الخاصُّ بي، ومُرْدَخاي ﺷﺨﻴﭭيتش، أَلمندوب عن الوكالة اليهوديَّة. مُردخاي وحاييم كلاهُما عرِفا الدُّروز جيِّدًا، ولكنَّهُما اختلفا كثيرًا بِالنِّسبة لموقفيهِما تجاهَهُم: مُرْدَخاي كان واثقًا أَنَّه من الممكن أَن نفوز بهم كي يصبحوا حُلفاءً لِلقوَّة الإِسرائيليَّة (للجيش الإِسرائيلي)، وذلك على ضوء التَّاريخ الطَّويل لعلاقاتهم الشَّديدة العداء مع العرب، أَمَّا حاييم فكان واثقًا من دعم بعض الفئات (من بين الدُّروز)، ولكنَّه تردَّد بشأْن وضع ثقة زائدة بهم. أَلتَّجارب السَّابقة (مع الدُّروز) لم تدعم، بشكلٍ كاملٍ، أَيًّا من هذينِ الموقفينِ، حتَّى ذلك الوقت (وقت استلامه رئاسة الِّلواء العسكريِّ الإِسرائيليِّ السَّابع)، غالبيَّة الدُّروز بقوا مُحايدين في القتال، ولكن كانت بعض الفِرَق (العسكريَّة) الدُّرزيَّة تقاتل في الجانب العربي (مع جيش الإِنقاذ العربي بِقيادة فَوْزِي القاوُقْجي وأَديب الشِّيشَكلي)، ومُساعد (فوزي) القاوُقْجي قِيْلَ أَنَّه دُرزي (يقصد الضَّابط الُّلبناني شكيب وهَّاب)”.
“مُرْدَخاي عَمِلَ جاهدًا كي يقنعني أَن أَجتمع مع قادة الدُّروز من أَجل المُحاولة للوصول إِلى بعض التَّفاهُم معهم، هذا بِالرَّغم من أَنَّ حاييم عارض باستمرارٍ هذه الفكرة. لا شكَّ أَنَّ ذلك (الأَمر، أَيِ الاجتماع مع قادة الدُّروز) كان اقتراحًا مُغريًا: فإِذا فُزْنا بِدعمهم، أَو، على الأَقلِّ، إِذا ضَمِنَّا حيادَهم الإِيجابي، فسوف يتحسَّن كثيرًا وضعُنا التَّكتيكي والاستراتيجي، وعلى كلِّ حالٍ، بدا أَنَّه لم يكُن شئٌ لِنخسَرَه في هذه المُحاولة (مُحاولة الاجتماع مع قادة الدُّروز). رُبَّما كانت كلمة “لا شيء” ضربًا من المُبالغة: فكلُّ مَن يذهب (من أَفراد الجيش الإِسرائيلي) لِلِقاءٍ (مع الدُّروز) سوف يقوم بِمُغامرةٍ (شخصيَّة) خطيرةٍ. لا توجد إِمكانيَّةٌ أَن يأْتِيَ الدُّروز إِلينا، ينبغي أَن نذهب نحن إِليهم. على مندوبينا (أَلَّذين يتوجَّهوا لِلقائهم) أَن يضعوا أَمنهم (الشَّخصي) عند الدُّروز ، وذلك لِأَنَّ قراهُم موجودةٌ في منطقة تقع تحت سيطرة العدوِّ (يقصد جيش الإِنقاذ العربي)، ودائمًا هنالك إِمكانيَّةٌ أَن يُغْرَى بعض الدُّروز بكسب الإِحسان الدَّائم لدى العرب عن طريق تسليم بعض الضُّبَّاط الإِسرائيليِّين الَّذين أَمسكُوا بِهِم لهُم …. “.
“أَلأُمورُ تعقَّدت أَكثر بسبب العداوة الشَّديدة بين حاييم ومُرْدَخاي. هذانِ الرَّجُلان عَمِلَا الواحد بجانب الآخر لِمدَّةٍ من الزَّمن، واستمرَّا بذلك في الِّلواء (العسكري الإِسرائيلي السَّابع)، ولكن بدلًا من أَن يُقرِّبهما هذا الأَمر الواحد من الآخر، فقد كَرِهَا بعضهُما بشدَّة لا تُصدَّق. عداوتُهما الشَّخصيَّة انعكست وتساوت لدى أَصدقائهما وأَنصارهما الدُّروز، فأَنصار مُرْدَخاي من بين الدُّروز كرهُوا أَنصار حاييم من بين الدُّروز، والعكس بالعكس”.
“إِذا لم يكُن هذا التَّعقيد كافيًا، فإِنَّ فكرة المُفاوضات مع الدُّروز لاقت مُعارضةً من جانبٍ غير مُتوقَّع: أَلمُخابرات الإِسرائيليَّة، أَو “هيئة الشَّاي” (التَّابعة ﻟِﻠﻬَﭽَﻨَﺎه)، (ש”י, שירות הידיעות של ההגנה)، الَّتي لا شكَّ أَنَّها تلقَّتِ النُّصح من حاييم (أُويِرْباخ)، مندوبها في الِّلواء (العسكريِّ السَّابع)، الَّذي أَصدر لي أَمرًا صارمًا بِأَنَّه يجب عدم الثِّقة بِالدُّروز، والأَسوأُ من ذلك أَنَّ عددًا كبيرًا منهم كان يقاتل إِلى جانب العرب. هذه الأَوامر لم تكُن، بالطَّبع، اعتباطيَّةً صِرفة، وإِنَّما كانت ترتكز على حقائقَ وتقديرات. وبالرَّغم من ذلك فقد فوجئتُ من المُعارضة الصَّارمة لهيئة المُخابرات، تلك المُعارضة الَّتي وضعتني في مأْزق صعب، فإِذا ذهبتُ قُدُمًا وتفاوضتُ مع الدُّروز فسوف أَكون رافضًا أَوامرَ جَلِيَّة، ولكنَّني كنتُ أَرى الفوائد الكثيرة الَّتي سوف نجنيها إِذا نجحنا (في المُفاوضات مع الدُّروز). كانت مُقامرة، ولكنَّ الرَّكائِز كانت قويَّة. تفكَّرت في كلِّ الجوانب (جوانب المُفاوضات مع الدُّروز) بِحذرٍ قدر ما استطعتُ، ولكن نظرًا لِأَنَّ إِمكانيَّات (النَّجاح في المُفاوضات) كانت مُغريةً جدًّا، فإِنَّ قراري كان مُتوقَّعًا: قرَّرتُ أَن أَذهب قُدُمًا! طلبتُ من مُرْدَخاي أَن يُرتِّب لي لقاءً (مع الدُّروز)”.
“أَتى يوم الِّلقاء. إِنتظرنا حتَّى حُلول الظَّلام، وعندها، وفي السَّاعة المُعيَّنة، وحينما أَصبحت أَعيُنُنا مُعتادةً على العتمة، خرجنا. كُنَّا أَربعة: حاييم لاسْكُوﭪ، بصفته الحاكم العسكري للمنطقة (لِلجليل)، وقد عَمِلَ بِأَمانةٍ إِلى جانبي بشأْن الاتِّصالات مع الدُّروز، ومُرْدَخاي ﺷﺨﻴﭭﻴﺘﺶ، وحاييم أُويِرْباخ، الَّذي كان مُتردِّدًا جدًّا في خرق أَوامر رُؤساء هيئة المُخابرات (الإِسرائيليَّة)، وكذلك في زيارة أَصدقاء مُرْدَخاي (من الدُّروز، وهؤلاء كانوا لا يحبُّونه، وهو لا يحبُّهم)، وأَنا. أَبقينا مُهمَّتنا سرًّا تامًّا، والآن، وفي صمت شامل، خرجنا من بين خُطوطنا (العسكريَّة). مجموعةٌ من الدُّروز انتظرتنا بِقُرب حاجزٍ من الصُّخور (على طول الطَّريق المُوصلة إِلى قرية يِرْكا في طرفها الغربي). بدأْنا المشي معهم برفقة مُرشدنا في طريقٍ صخريَّةٍ بِاتِّجاه مكان لقائنا (في قرية يِرْكا)”.
“كُلَّما كُنَّا نبتعد أَكثر عن خُطوطنا (العسكريَّة)، كان التَّوتُّر يزداد عندنا أَكثر فأَكثر. مُسَلَّحينَ ليس بِأَكثرَ من مُسدَّساتٍ، نحن مُقادون إِلى أَرضٍ مُعادية على يد مجموعةٍ من الغرباء (الدُّروز) المُسلَّحين. حينما خَطَوْنا في الظَّلام بين الصُّخور (بموقع الأَرض المعروف ﺑ “الخَشْنَا”، في الطَّرف الغربي لقرية يِرْكا)، وكُرُوم الزَّيتون (الَّتي كانت تقع إِلى الشَّرق من “الخَشْنَا” وبجوارها تمامًا، وإِلى الغرب وبجوار الطَّرف الغربي لِلقرية)، الَّتي من المُمكن أَن تخفي كمينًا، أَيقنَّا أَنَّه من المُمكن أَيضًا أَن نُهاجَمَ من مسافةٍ قصيرةٍ جدًّا من دون أَيِّ أَملٍ أَن نُدافع عن أَنفسنا. سرنا في سُكونٍ مُطبق مُجهِدين أَعينَنا وآذانَنا لالتقاط أَيَّة علامة خطر”.
“حينما اقتربنا من هدفنا (قرية يِرْكا) جالت في خاطري أَفكارٌ مُزعجة: هل كانت هيئة الاستخبارات مُحقَّةً حينما حذَّرتنا من خيانةٍ دُرزيَّة مُمكنة ؟ كيف سوف يستقبلُنا الدُّروز ؟ حينما نُصبح في قريتهم (يِرْكا) فَهُم قد يضعوننا في الزَّاوية، وسوف نكون تحت رحمتهم المُطلقة. إِذا قرَّروا أَن يتعاونوا معنا، فسوف يكون الأَمر حسنًا وجيِّدًا، ولكن إِذا رفضوا عرضنا لِلتَّعاون معنا فقد يُحْكِمُونَ رفضهم بِأَسْرِنا، أَو حتَّى بِقتلنا في الحال. حقيقةً هنالك تقاليد الكَرَم الشَّرقي الَّتي تجعل المُضيف مسؤولًا عن أَمن وسلامة ضيوفه، ولكنَّ هذه الأَيَّامَ هي أَيَّامُ حرب، وكلُّ شيءٍ قد يحصل خلالها …، وقواعد الَّلعبة تقتضي أَلَّا نُصبح ضيوفَهم إِلَّا بعد نجلس ونأكل الخبز معهم”.
“وصلنا إِلى هدفنا، وهو (موجودٌ) في قريةٍ بدت لنا كبيرةً تمامًا (قرية يِرْكا). مُرافقونا قادُونا بين بيوتٍ مُظلمة كانت ملتصقةً ببعضها (أَلشَّارع الدَّاخلي من الطَّرف الغربي لِلقرية عَبر موقع “البير الغربي” فالسَّاحة المركزيَّة “أَلحارة”). لم نُقابل أَحدًا (من سكَّان القرية) في طريقنا، كان واضحًا أَنَّ الدُّروز، مثلنا، كانوا معنيِّين أَن يبقى أَمرُ اجتماعنا سرًّا، وأَنَّهم اتَّخذوا الاحتياطات من أَجل الأَمان. مُرافقونا توقَّفوا خارج بيتٍ كبير وأَشاروا إِلينا أَن ندخل عبر المدخل”.
” كُنت لا أَزال مُتخوِّفًا من نتيجة هذه المُغامرة الخطيرة حينما دخلت عبر ذلك الباب البديع (يقصد البوَّابة المُوصلة إِلى بيت الشَّيخ مرزُوق معدِّي، وهي لا تزال قائمة حتَّى اليوم على ما كانت عليه في تلك الأَيَّام)، ولكن في هذه الَّلحظة استسلمتُ لِأَيِّ شيءٍ قد يحدث، وفُضُولي تغلَّب على تخوُّفاتي. وقفتُ مُنتصبًا ونظرتُ حولي. أَلغرفة الكبيرة (بيت الشَّيخ مرزوق معدِّي، وهو عقدٌ مُصلَّب مُزدوج، وهو الآخر ، لا يزال قائمًا إِلى اليوم على ما كان عليه حينما دخله دُنْكِلْمان ورفاقُه) كان مُضاءًا بواسطة مِصباحٍ وحيدٍ يعمل بالكِيرُوْسِين (أَلكاز) كان يضطرب بعدم استقرار. على ضوئه الضَّعيف شاهدتُ عددًا من الشَّخصيَّات المُظلَّلة، وهؤلاء كانوا، بلا شكٍّ، وُجَهاء الدُّروز من هذه القرية (يِرْكا)، ومن غيرها، يرأَسُهم الشَّيخ مرزُوق (معدِّي)، صديق مُرْدَخاي، ولكن قبل أَن أُقَدَّمَ لهُم وجدتُ نفسي أُصافح رجُلًا وسيمًا ذا ملامحَ رائعة، مُرْدَخاي أَوضح لي أَنَّ هذا الرَّجُل كان شخصيَّةً دُرزيَّةً روحانيَّةً مرمُوقةً من إِحدى الدُّول المُجاورة، وكان قد دُعِيَ (إِلى هذه الاجتماع) على يد الدُّروز المحليِّين من أَجل تقديم النُّصح والمُباركة لهم (لا ندري بالضَّبط مَن كان ذلك الرَّجُل، ونحن نستبعد أَن يكون فعلًا من دولةٍ مُجاورة، فتلك الأَيَّام كانت أَيَّام حرب، ومن غير الجائز أَن يكون رجُل دين مرموق قد أَتى إِلى يِرْكا من أَجل حضور هذا الاجتماع الَّليلي. رُبَّما وقع دُنْكِلْمان في خطأٍ هُنا، والرَّجل كان من البلاد، ورُبَّما كان الشَّيخ أَمين طريف من قرية جُولس)”.
“بعد مُجاملات التَّعريف (بِنا وبِالمدعُوِّينَ الدُّروز) الَّتي لا غِنى عنها، وهذا الأَمر ذكَّرني بِمُفاوضات شراء الأَراضي (من العرب) خلال سنوات الثَّلاثين (من القرن العشرين)، (دُنْكِلْمان كان قد قَدِمَ إِلى فلسطين في بداية سنوات الثَّلاثين من القرن العشرين، وعمل في الزِّراعة والحراسة في السَّهل السَّاحلي الأَوسط، وأَيضًا في شراء الأَراضي من العرب في تلك المنطقة)، دخلنا رأْسًا في صُلب الموضوع. إِجراء المُفاوضات كان صعبًا بسبب عوائق الَّلغة، كلُّ شيءٍ قِيْلَ كان ينبغي أَن يُترجَم من العبريَّة إِلى العربيَّة، وبالعكس، وبِالرَّغم من أَنَّ مُرْدَخاي قام بِمُهمَّة التَّرجمة بشكلٍ جيِّد، فالأَمر كان يستغرق وقتًا طويلًا. نظرًا لِأَنَّ لغتي العبريَّة كانت لاتزال بعيدةً عن الكمال، ونظرًا لِأَنَّني لم أَشأ أَن أَتكلَّم الاﻧﭽﻠﻴﺰيَّة، فأَنا تعوَّقت أَكثر من رفاقي”.
“أَلمُحادثة الأُولى كانت مُتحفِّظة نوعًا ما، مع شُعورٍ خفيٍّ بالشِّك والتَّوتُّر. أَلقائد الدُّرزي (أَلشَّيخ مرزُوق معدِّي) بدأَ بطرح أسئلة استطلاع كثيرة. كان يتكلَّم بصوتٍ بطيءٍ ورزين، وعندما انتهى (من كلامه)، مُرْدَخاي ترجم قوله إِلى العبريَّة، وبعدها ترجم ردِّي (على قوله) إِلى العربيَّة”.
“حينما كان هذا التَّبادل البطيء لِلحديث جاريًا، كان المخاتير والوُجهاء (مخاتير القُرى الدُّرزيَّة ووُجهاؤُها) جالسين بهدوءٍ تام، وأَعينُهُم كانت تتركَّز في وجه الشَّخص المُتكلِّم. كان واضحًا، حتَّى على الضُّوء المُضطرب لِذلك المِصباح الوحيد، أَنَّهُم كانوا يُعيرُون الأَهميَّة القُصوى لِكلِّ كلمة ولِكلِّ فرقٍ دقيق بين الكلام. كان واضحًا أَنَّهُم لم يتوصَّلوا بعد إِلى قرار، فأَوَّلًا، هم كانُوا بحاجةٍ إِلى أَن يعرفوا بِالضَّبط ماذا يريد اليهود (منهم)، (وثانيًا) (كان عليهم أَن يُقرِّروا) ماذا كانوا مُستعدِّين أَن يُقدِّموا (لليهود) بالمُقابل. أُسلوبُهُم الكُلِّي أَشار إِلى التَّحفُّظ والتَّردُّد الَّذَيْنِ كانوا يشعرون بِهِما، إِزاءَ اتِّخاذِ قرارٍ (من طرفهم) قد يعني الدَّمار لِقُراهم ولِشعبهم”.
“ركَّزت اهتمامي على قائدهم الدِّيني وذلك لِأَنَّني أَيقنتُ أَنَّ لِآرائه وزنًا كبيرًا. موقفُهُ لم يكُن مُعاديًا، ولكنَّه في نفس الوقت لم يكُن وَدُوْدًا. مُحادثتنا أَخذت طابعًا شبيهًا بِالحوار الثُّنائي، كلُّ جانب كان يدفع ويسأَل ليكتشف أَفكار ومقاصد الجانب الآخر”.
“فجأَةً تغيَّرت نغمة صوته حينما قذف سؤالًا كان واضحًا أَنَّه مُوجَّهٌ لي. مُرْدَخاي ترجم: أَلشَّيخ دعانا لِنُرسلَ جنودنا من أَجل احتلال القرى الدُّرزيَّة ! أَدركتُ أَنَّ هذا الأَمر كان هامًّا جدًّا، لقد وُضِعْنا تحت الامتحان، وجوابي قد يُقرِّر نتيجة هذا الِّلقاء، ولكن كان صعبًا عليَّ أَن أَجد الجواب الصَّحيح، ففي الواقع لم يكُن لدينا ما يكفي من الجنود حتَّى كي نأَخذ التزامًا كهذا بعين الاعتبار. لِأَسبابٍ واضحة لم أَشأ أَن أَكشف ضعفنا، وهو ما كان يأْمل (هذا الشَّيخ) أَن يكشف. فكَّرت بسرعة وقلت له أَنَّه لن يكون من الحكمة من جانبنا أَن نأْوِيَ جنودًا إِسرائيليِّين في قراهم، وذلك لِأَنَّ هذا يضع شعبهم في خطِّ الجبهة (جبهة القتال)، الأَمر الَّذي يضع نساءَهم وأَطفالهم في موقف خَطِر. عندما ترجم مُرْدَخاي جوابي، شاهدت تعبير استحسان عميق في وُجوه القادة الدُّروز. كان واضحًا أَنَّ الجواب لاقى إِعجابهم. في تلك الَّلحظة انكسر الجليد، وشعرت أَنَّنا فُزنا بِثقتهم. قبل ذلك كُنت مُتأَكِّدًا من أَنَّنا ضَمِنَّا دعم اثنيْنِ من المخاتير (مخاتير القرى الدُّرزيَّة)، أَمَّا الآن فأَيقنتُ أَنَّهُم كلَّهم كانُوا معنا”.
“بالنِّسبة لي، ذلك الِّلقاء أَقنعني أَن أَضع ثقتي في الدُّروز، وفي الحقيقة، مُنذ تلك الَّليلة فصاعدًا، أَثبت الدُّروز أَنَّهم حُلفاء ذوو قيمة ومُخلصون. عَوْنُهُم كان ذا فائدة مُباشرة وحاسمة في احتلال (بلدة) شفاعمرُو (دخلها الجيش الإِسرائيلي أَيَّامًا قلائل بعد هذا الاجتماع، في الَّليلة الَّتي فصلت بين نَهَارَي 13 و 14 تمُّوز عام 1948. هذه البلدة لم تُدَمَّر خلال الحرب، وغالبيَّة سكَّانها بقوا بها)”.

صورة من عام 1973 في مصنع القَضَمَانِي لِلحديد والصُّلْب.
من اليمين إلى اليسار : مُرْدَخاي ﺷﺨﻴﭭيتش (מרדכי שכביץ)، حينما كان مُستشارًا لِلسيِّد سلمان القَضَمَانِي في تسويق مُنتجات الحديد والصُّلب في الخارج، خصوصًا في إِيران، حاييم بار ﻟِﻴْﭫ (חיים בר לב)، وزير الصِّناعة والتِّجارة، سلمان القَضَمَانِي، مُدير المصنع، داﭬِﻴﺪ كُورِيْن (דוד קורן)، من كيبوتْس ﭼﻴﺸِﺮ هَزِﯦْﭫ، وعُضو كنيست، وكان داڤيد كُورِين قد أصدر عددًا من الدِّراسات حول العلاقات اليهوديَّة – الدُّرزيَّة، ومن بينها كتابه الصَّغير קשר נאמן (علاقة صادقة)، أَلَّذي صدر عام 1991 من قِبَلِ وزارة الدِّفاع، وتطرَّق به للإِجتماع الَّليلي في بيت الشَّيخ مرزُوق معدِّي بُيِرْكا عام 1948، موضوع حديثنا هذا.
أَلأَمير مجيد أَرسلان وسُلطان باشا الأَطرش شَدَّدَا على دُرُوز البلاد قبل اندلاع الحرب عام 1948 بعدم النُّزُوح عن قُراهم تحت أَيِّ ظرفٍ من الظُّرُوف
في نهاية حديثنا هذا نُضيف ونقول أَنَّ الشَّيخ مرزُوق معدِّي حدَّثني مرَّةً حول لقاءٍ كان له برفقة الشَّيخين علي ملحم معدِّي وجبر داهش معدِّي مع الأَمير مجيد أَرسلان، قال الشَّيخ مرزُوق:
“قبل اندلاع الحرب عام 1948 بِعددٍ من الأَشهر ، وحينما كانت بشائر تلك الحرب تلوح جَلِيًّا في الأُفق، سافرتُ برفقة الشَّيخين علي ملحم معدِّي وجبر داهش معدِّي إِلى لُبنان، وهناك قابلنا الأَمير مجيد أَرسلان بِقصره بِمدينة عَالَيْه، وتحدَّثنا معًا حول الأَوضاع السِّياسيَّة الَّتي كانت سائِدة عندنا في البلاد، وتشاورنا معه بِشأْن ما يجب علينا أَن نفعل، وكيف ينبغي أَن نتصرَّف، حينما تنشب تلك الحرب، وسأَلناه هل ينصُحنا، نحن دُروز فلسطين، أَن ننزح إِلى لُبنان أَو إِلى سُوريا عن البلاد مُؤقَّتًا عندما تصل الحرب إِلى قُرانُا أَو عندما تقترب منها، وكان جواب الأَمير سريعًا وواضحًا وحادًّا وقاطعًا: “لا تفعلوا ذلك تحت أَيِّ ظرفٍ من الظُّروف، وفي أَيَّة حالٍ من الأَحوال !، فإِذا غادرتم أَراضيكم وقُراكم فقد لا تعودون إِليها أَبدًا، تصرَّفوا بِحكمة وابقوا في بلادكم!”. ومُنذُ ذلك الِّلقاء، وطيلة مُدَّة الحرب، وبعدها أَيضًا، حرصنا أَن نتصرَّف طبقًا لِنصيحة الأَمير مجيد، بقينا في قُرانا، ولم يلحق بنا الأَذى، وخلال الحرب، وبعدها أَيضًا، استضفنا عشرات آلاف النَّازحين والمُهجَّرين من القرى العربيَّة في الجليل”.
*****

أمرٌ جَلِيٌّ وواضحٌ لدُرُوز البلاد بعدم النُّزُوح عن قُراهم، وبالبقاء بها، حينما تنشب الحرب بين العرب واليهود بِفلسطين، أُصْدِرَ أَيضًا مِن قِبَلِ سُلطان باشا الأَطرش، وأُبْلِغَ للمشايخ أَمين طريف وعلي ملحم معدِّي وجبر داهش معدِّي، حينما زارُوه ببيته ببلدة القُرَيَّا بجبل الدُّرُوز بتاريخ 16 حزيران عام 1946. هذا الأَمر واردٌ في وثيقةٍ نقلها رجلٌ اسمه “عطالله”، ونحن لا ندري اسمه الكامل، بتاريخ 10 تمُّوز عام 2004، عن وثيقةٍ أَصليَّةٍ تشهد بذلك دَوَّنها أَسد سليم الأَطرش من بلدة المجيْمِر بجبل الدُّرُوز، وأَسد الأَطرش هذا كان يعمل في آخر فترة الانتداب البريطاني مُديرًا لأَحد الفُرُوع بِميناء حيفا، وكانت الباحثة الدُّكتورة ريم منصور سُلطان الأَطرش قد عرضت تلك الوثيقة وتطرَّقت لمضمونها في مقالة لها نشرتها بجريدة “الأَخبار” الإِلكترونيَّة الُّلبنانيَّة بتاريخ 29 نيسان هذا العام (2021)، تحت العنوان: “حفيدةُ قائدِ الثَّورةِ السُّوريَّةِ الكُبرى تردُّ على محمود محارب: سُلطان الأَطرش رفضَ دُوَيْلَةَ الدُّرُوز وآمَنَ بسُوريا وفلسطين”، وكان محمود محارب قد أَصدر قبل ذلك كتابًا دعاه: “العلاقاتُ السِّرِّيَّةُ بين الوكالةِ اليهوديَّةِ وقياداتِ سُورية في أثناءِ الثَّورةِ الفلسطينيَّةِ الكُبرى”، حاول أَن يتهجَّم خلاله على الباشا، وأَن يتَّهِمَهُ، زورًا وبهتانًا بالطَّبع، بالعمل على تهجير الدُّرُوز من فلسطين، وبأُمورٍ أُخرى أَيضًا.
هكذا تقول هذه الوثيقة (أَلإِضافات الموجودة بداخل أَقواس هي من عندنا):
“نقلًا عن وثيقة لدى السَّيِّد أَسد بن سليم الأَطرش من المجيْمِر “.
“في 15/6/1948 سافرتُ (أَي أَسد الأَطرش) من يِرْكا في فلسطين (ولا شكَّ في أنّه قَدِمَ إلى يِرْكا من حيفا، مكان عمله) إِلى جبل الدُّرُوز، (إِلى) بلدة القُرَيَّا، بِصحبة المشايخ: أَلشَّيخ أَمين طريف والشَّيخ علي الملحم (معدِّي) والشَّيخ جبر داهش المعدِّي، ووصلنا القُرَيَّا في 16/6/1948، وقال الشَّيخ (أَمين) طريف: يا باشا، أَلجمعيَّة العربيَّة تقول لنا بِاَنَّ قرى الدُّرُوز مُلاصقة لِقُرى اليهود، وأَنَّ اليهود سيعملون على إِبادة أَصحابها، ولذلك يتوجَّب على الدُّرُوز إِخلاء القُرى والنُّزُوح إِلى سُورية، إِلى جماعتهم في الجبل (جبل الدُّرُوز)، وأَنَّ الجمعيَّة العربيَّة تتعهَّد لنا بِإِرجاعنا إِلى قُرانا بعد خمسين يومًا فقط، وهي المُدَّة الكافية لطرد كلِّ اليهود من فلسطين، فماذا تُشيرُ علينا يا باشا ؟ فأَجاب الباشا قائلًا: “إِيَّاكُم ثُمَّ إِيَّاكُم ترك قُراكم !، لِأَنَّ غَيْرَكُم باع واشترى، أَمَّا أَنتُم فما بِعتُم ولا اشتريتُم، فعليكُم الصُّمودُ في أَراضيكم، والمُحافظة على أَرضِكُم وعِرضِكُم، وإِذا ما نزحتُم إِلينا فلن نقبلكُم أَبدًا (أَلباشا أَراد أَن يُؤكِّد لهم، بِالطَّبع، أَنَّه لن يقبلهُم هاربينَ من وطنهم ومُشرَّدينَ في سُوريا أَو في غيرها من البلدان، وليس كضُيُوف)، وأَطاع الوفد مشورةَ الباشا”.
نقلها من (عن) السَّيِّد أَسد الأَطرش في 10/7/2004″
عطالله (توقيع)”.