تفقد الطائفة الدرزية، بوفاة السيدة الفاضلة، أم داهش شرحة معدي، وانتقالها إلى رحمته تعالى، سمة من سماتها، ورمزا من رموزها، سيدة معطاءة، نبيلة، خلوقة، اكتسبت مكانة مرموقة في المجتمع، ليس فقط، لكونها زوجة زعيم عملاق، هو المرحوم الشيخ أبو داهش جبر معدي، وإنما لشخصيتها، وللمكانة العظيمة التي وصلتها، وملأتها مهابة، وجعلت هامة زوجها شامخة، وفتحت بيتها، بحيث تمكّن، المرحوم الشيخ أبو داهش، أن يدعو إلى بيته، أي عدد من الناس، وأيَّ مجموعة من الزعماء، وفي أيِّ وقت يجده مناسبا، كل ذلك، وهو مطمئن، أن أيَّ دعوة يوجه، لشخص أو لمجموعة، سوف تجد أم داهش، جاهزة للقيام بالواجب، وبكل ما يتطلب هذا الموقف، من ضيافة، واستقبال، لدرجة، أن الموائد للفطور، أو للغداء أو للعشاء، كانت تُفتح وتُمدّ عدة مرّات في اليوم الواحد، وتزخر بأجود المأكولات، وأطيبها. وكان الطعام لذيذا، وكان كل من تُقدَّم له هذه الموائد يحس بالإتقان، بالخبرة، بالكرم الهائل، وأن المأكولات، هي من عمل يدي سيدة، تحب الجميع، معطاءة، لها باع طويل في استقبال الناس، والتأهيل بهم ودعوتهم، فقد كانت أم داهش، ترى بذلك رسالة، ونهجا، وواجبا، وكانت تعلّق على تلبية هذه الدعوات أهمية قصوى، نابعة من بيت أصيل، لكنها ظلّت، مع كل عنفوانها، متواضعة، تشكر كل من دخل بيتها، وكل من ذكر اسم زوجها، وكل من كان له اتصال مع العائلة، مستقبلة، مهلِّلة، بشوشة الوجه، تضفي جوّا من الطمأنينة، والبهجة، والقبول، عند الضيوف، الذين حلوا على هذا البيت العامر، فكانت كل لحظة يقضيها الضيف أو الضيفة في هذا البيت، تكسبهما الإحساس أنهما مميزان وأن لهما قيمة كبيرة، وأنه مرغوب بهما، مما سبّب، أن يسمو اسم المرحوم الشيخ أبو داهش، ليس فقط في الشجاعة، والبطولة، والحنكة، وحسن المعاملة، وإنما أيضا بالجود، والكرم، والسخاء، والعطاء. وإذا نظرنا إلى الزعماء اليوم، نجد أنهم بحاجة إلى أكثر من عدة منتزهات، لربما استطاعت، أن تقوم بالدور الذي أدته المرحومة، أم داهش هي وأهل بيتها في حينه.
بالإضافة إلى ذلك، كان المرحوم، الزعيم، القائد، الوزير، عضو الكنسيت، الوجيه، الشيخ أبو داهش، شخصية نافذة في المجتمع ككل، وكانت كلمته مسموعة، وكانت له هيبة كبيرة، وكان يحلّ المشاكل، ويسوّي الأمور، ويصلح ذات البين، ويقرّب بين المتنازعين، لذلك كانت السيدة أم داهش إلى جانبه، في الأمور والحالات الخاصّة، فيما يتعلق في المسائل النسائية، فكانت، بحسن الدراية، والمنطق السليم، والتجربة، والحكمة التي تتحلّى بها، كانت نشيطة في إعادة تعمير البيوت، وفي التوفيق بين أناس، تعكّر صفوُ بيتهم، وكم كانت سعيدة، عندما كانت تعيد زوجة غاضبة إلى بيتها، أو أن تجري مصالحة، بين مواطنة وجاراتها، أو زوجات أولادها، وما شابه ذلك من المشاكل الاجتماعية.
ونحن نعلم أنه في تاريخنا المجيد، وفي مجتمعنا الأصيل، لا يمكن للزعيم أن يتقن الزعامة، ولا يمكن للوجيه أن يكون ذا نفوذ، ولا يمكن للقائد أن يكون مسموع الكلمة، إلا إذا كانت تنظم بيته زوجة حكيمة، تتضامن معه وتسنده، وتُكسب أعماله ومساعيه، الأهمية المناسبة. ولم تتوقف مساهمة السيدة الفاضلة أم داهش على الجود والسخاء فقط، وإنما كان من واجبها تنظيم بيت زعامة، والقيام بالواجبات الاجتماعية، والاهتمام بالأولاد، وحسن التعامل مع المحيط حولها، والاهتمام بالنواحي الاقتصادية، ومواضيع مماثلة، أتقنتها وتميزت بها. كل ذلك إلى جانب كونها متدينة، تقوم بكل واجباتها. ويمكنني أن أجد شبيهة لها في تاريخ الطائفة الدرزية، المرحومة، السيدة تركية، زوجة عطوفة المرحوم سلطان باشا الأطرش. وتظل السيدتان، ويظل الزعيمان، عنوان اعتزاز، ومباهاة للطائفة وللمجتمع التوحيديين، مدى الأيام والأزمان.
أتقدم إلى جميع أهل بيت المرحوم أبي داهش، وإلى قرية يركا، والطائفة الدرزية جمعاء، بأخلص التعازي، بوفاة فقيدتنا، متوجهة إلى الله، سبحانه وتعالى، أن يكون مثواها الجنة، وأن تحظى برحمته وعطفه، وأن يطيل أعماركم وأعماركن، وإنا لله وإنا إليه راجعون.