الموقع قيد التحديث!

القائد شكيب وهّاب

بقلم السيد مهنا ماضي كبيشي
جولس

1890 – 1980

وُلد شكيب وهّاب في بلدة غريفة اللبنانيّة عام 1890. عند بلوغه السادسة من عمره دخل المدرسة في قريته، فدرس لمدّة أربع سنوات، تعلّم فيها مبادئ القراءة والحساب. لكنّه لم يتابع الدراسة، بل أصبح مساعد أبيه في الأعمال التجاريّة، فرافقه برحلاته ما بين غريفة وصيدا وبيروت والبقاع، وكانت مادّة الحرير السلعة الأساسيّة في عملهما التجاريّ.       

بعد اندلاع الحرب العالميّة الأولى ساءت الأحوال الاقتصاديّة فأضُطر والد شكيب وهّاب مغادرة بلدته إلى سوريا، فاصطحب عائلته وتوجّه إلى مدينة السويداء، فيها افتتح والده – أسعد وهاب، مصنعًا متواضعًا للحدادة. وفي عام 1916 انتقل إلى قرية ذيبّين. في تلك الفترة قام شكيب بجولة ميدانيّة في قرى جبل العرب فالتقى بسلطان باشا الأطرش وحمد البربور وعدد من الفرسان المناهضين للحكم العثمانيّ. وعندما اندلعت الثورة الحجازيّة وامتدّت إلى شرق الأردن شارك شكيب بتلك الثورة إلى جانب سلطان الأطرش ودخلوا مدينة دمشق بعد فترة كوكبة من فرسان الجبل على رأسهم السلطان رافعًا العلم العربيّ في ساحة دمشق حيث وضعه فوق دار الحكومة في دمشق، وحينها عام 1918 منحه الملك فيصل لقب “باشا” لشجاعته ليصبح سلطان باشا الأطرش. بعد فترة وجيزة انتقل شكيب وهّاب إلى السويداء، ثمّ عاد إلى بلدته غريفة وفي هذه المدّة عاد للأعمال التجاريّة متنقِّلًا ما بين سوريا ولبنان.

في عام 1919 أصبح مطارَدًا من قبل السلطات الفرنسيّة على إثر حادثة وقعت معه في وادي القرن في شهر حزيران أثناء تجارته. بينما كان يقوم بنقل حمل من الحبوب اعترضه مسلّحون، فسلبوه، فثار عائدًا إلى السويداء لشراء بندقيّة حربيّة، ونزل بها إلى وادي القرن ليلتقي صدفةً مع الذين سلبوه، فاشتبك معهم حتّى استطاع من قتل أحدهم ليهرب الآخرون. وكان في الحادثة أشخاص يعرفونه، فوشوا به للسلّطة الفرنسيّة ليجبروه على التنقُّل بحذر شديد.

في مطلع عام 1920 انتقلت عدّة مجموعات مقاتلة إلى سوريا، فالتقوا مع سلطان باشا الأطرش والزعامات الوطنيّة، وكان شكيب وهّاب قائد إحدى هذه المجموعات، ومن خلال هذا اللقاء تمّ الاتّفاق على إثارة المتاعب بوجه الفرنسيين في منطقة البقاع وعلى امتداد الحدود السوريّة اللبنانيّة. وكان لشكيب وهّاب إسهام كبير في تنفيذ بعضها وضرب عدد من المواقع الفرنسيّة.

استمرّت هذه العمليّات العسكريّة حتّى 22 تموز 1920، وفي 24 تمّوز اندلعت معركة ميسلون بن الفرنسيين وجيش العرب، فسقطت دمشق بأيدي الفرنسيين، وأنتقل المجاهدون نحو السويداء، وقسم آخر ومعهم شكيب وهّاب إلى شرق الأردن.

في 22 يوليو 1921 قام شكيب وهّاب وأدهم خنجر وخليل مريود ومحمود البرازي وشريف شاهين وحمود حسن وغيرهم…بنصب كمين للجنرال الفرنسي غورو الذي كان يمرّ مع مواكبة كبيرة من الحّراس في موقع كوم الرويسة على طريق القنيطرة، فقام المجاهدون بإطلاق النار على المواكبة فقُتل أحد مرافقي الجنرال وجُرح الآخر إلّا أنّ الجنرال غورو والكومندان كاثرو الذي كان برفقته نجيا من “حادثة القنيطرة”. بعد هذه العمليّة فرّ مجاهدون إلى شرق الأردن، وقد علمت السلطة بأمر منفِّذي العمليّة فقامت باعتقال زوجة شكيب وهّاب وأقاربه وعشرات المواطنين كي يسلِّم نفسه. أوفد شكيب وهّاب قائم مقام الشوف فؤاد جنبلاط وبعض الأصدقاء طالبًا لإنقاذ زوجته والأسرى، إلّا أن هذه المحاولات لم تُجدِ نفعًا. فقرّر شكيب وهّاب المجيء بنفسه إلى غريفة وأخذ حقّه بيده مهما كلّفه الأمر، بعد ذلك انتقل شكيب مع مجموعة مجاهدين إلى السويداء ثم توجّه إلى لبنان لبلده الغريفة فاستطلع الأوضاع ثمّ توجّه إلى وادي عنبال وهناك قام بقتل أحد المتعاونين مع السلطة. في الوقت نفسه سار الجنرال إلى بيت الدين وكلّف فؤاد جنبلاط بالتوجُّه مع قوّة عسكريّة إلى وادي عنبال لاستطلاع الموقف، فتوجّه فؤاد جنبلاط إلى المنطقة ممتطيًا حصانًا لأحد العملاء الفرنسيين، فقام المجاهدون بإطلاق النار بعد وصوله ظنًّا به شخصًا آخر فسقط فؤاد جنبلاط قتيلًا وفرّ العسكريّون، وحين اقترب إليه شكيب وهّاب فوجئ أن القتيل هو فؤاد جنبلاط.

بعد فترة وجيزة التقى شكيب مع القائد فؤاد سليم ورشيد طليع والأمير عادل أرسلان وأحمد مريول إلى أن كلّفه القائد فؤاد بمرافقة المجاهد أدهم خنجر إلي السويداء والتوجُّه إلى دار سلطان باشا الأطرش في القريّة، انطلق شكيب وهّاب وأدهم خنجر ومحمد الصغير من عمان إلى جبل العرب وصل لمدخل القريّة في 18 تموز 1922 علم شكيب أن السلطان موجود في قرية أمّ الرمّان، انتقل شكيب إلى أمّ الرّمّان بينما تابع أدهم خنجر ومحمد الزغبي إلى القريّة وأُلقي القبض عليهما على مدخل مضافة سلطان باشا الأطرش. في 21 تموز 1922 اشتبك شكيب وهّاب وسلطان باشا الأطرش ومصطفى الأطرش شقيق سلطان وعدد من المجاهدين مع مصفّحات القوّات الفرنسيّة فقاموا بقتل العساكر وعطّلوا اثنتين من المصفّحات التي تنقل أدهم خنجر لتهرب المصفّحة الثالثة، فاضُّطرت السلطة الفرنسيّة إلى نقل أدهم إلى دمشق بواسطة طائرة عسكريّة. بعد هذه العمليّة انتقل سلطان وشكيب ورجالهما إلى قرى الجبل الجنوبيّة واشتبكوا في أكثر من موقع مع القوّات الفرنسيّة التي عجزت عن اعتقالهم. وبعد ذلك، انتقلا لإمارة شرق الأردن. أثناء ذلك قابل شكيب وهّاب السيّد رضا باشا الركابي رئيس حكومة شرق الأردن بتكليف من قبل سلطان باشا، فطلب مساندتهم والدخول إلى سوريا لينصر الثورة ضد فرنسا، لكنّ الركابي لم يتحمّس للفكرة. بقي سلطان ورفاقه مدّة 9 أشهر في شرق الأردن وبعد تدخُّل كبار السياسيين في سوريا، سمحت فرنسا لسلطان بالعودة إلى جبل الدروز في 5 نيسان 1923. لكنّ السلطة علمت أن شكيب وهّاب من مرافقي سلطان فأرسلت إلى سلطان باشا وأبلغته معارضتهم استقبال شكيب، إلّا أنّ سلطان رفض العودة إلّا مع جميع رفقائه، في هذه الأثناء انتقل شكيب وهّاب ورفيقه حمد البربور إلى قرية رساس ونزلوا في ضيافة أحد الوجهاء من آل حمزة. إلّا أن بعد تأزُّم الوضع وهياج الدروز، تراجع الفرنسيّون وسمحوا لكلّ الوفد بالعودة إلى موطنهم، ودخل الجميع إلى السويداء بموكب حافل. تنقّل شكيب وهّاب في أواخر صيف 1923 حتّى شهر تمّوز 1925 في أحضان الدول العربيّة إلى أن عاد إلى سوريا في شهر آب 1925 ليشترك في أولى معارك الثورة: معركة المسيفرة، إلى جانب سلطان باشا والمجاهدين، وبعد ذلك انتقل شكيب مع مئات من المجاهدين بقيادة الأمير زيد الأطرش للاشتراك في معارك راشيا، حاصبيا، مجدل شمس وكفر مشكي والفلوج وقطنّا وغيرها من المواقع التي سجّل فيها شكيب مواقف رائعة في البسالة والتّصدّي للجيش الفرنسيّ إضافة إلى عدّة معارك التي خاضها شكيب وهّاب خلال الثورة.

استخدمت القوات الفرنسيّة أسطولها الجوّيّ والبرّيّ وعشرات الآلاف من الجنود لقمع الثورة فانسحب شكيب مع سلطان نحو شرق الأردن وبقي شكيب حتّى عام 1937 في منطقة الأزرق ووادي السرحان. بعد عام 1937 صدر العفو عن المجاهدين، ولكنّه لم يعفُ عن شكيب وهّاب فبقي في عمان حتّى عام 1941 حيث بدأ الانتفاض على الفرنسيين. آنذاك تشكّلت حكومة فيشي الفرنسيّة المناهضة لفرنسا الحرّة، فتواعد البريطانيّون على دعم شكيب وهّاب وجماعته فطلبوا منه تشكيل قوّة لمحاربة الفرنسيين الموالين لحكومة فيشي، بعد الانتصار على الفرنسيين واحتلال القلاع تمّ رفع العلم العربيّ في 29 أيار 1945.

في أواخر آذار 1948 قاد شكيب وهّاب كتيبة محاربين إلى فلسطين استجابةً لطلب قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي، ليخوض معركة الهوشة والكساير.

بقي شكيب حتّى عام 1956 في سوريا وبعدها انتقل إلى البنان ليمضي بقيّة حياته هناك في بلدته غريفة، وهناك كان يقوم بنشاط اجتماعيّ ملحوظ من مساعدة الناس وحلّ مشاكلهم، فكان منزله محطة للكثير من الشخصيّات السياسيّة المهمّة.  تُوفي في منزله في بلدة غريفة في تاريخ الثامن من آب عام 1980 تاركًا وراءه مسيرة من النضال والكفاح لأجل الوطن.

مقالات ذات صلة:

دروس واعتبار ويقظة وتذكار

إنّ هذه المناسبة الجليلة، ذكرى زيارة مقام سيدنا شعيب عليه السلام، تدعونا لنستفيق من سباتنا العميق، سبات الغفلة عن الله