الموقع قيد التحديث!

الزّيارة السّنويّة لمقام سيّدنا شعيب عليه السّلام: تقاليد راسخة وروحانيّة متجدِّدة

بقلم الشّيخ أبو صلاح رجا نصر الدّين
دالية الكرمل

بسم الله الرّحمن الرّحيم والحمد لله على نعمه الّتي لا تُعدّ ولا تُحصى، أسأل الله العليّ القدير أن يديم الفضل والبركة في حياتنا، وأن يبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وهو السّميع العليم..

ممّا لا شكّ فيه فإنّ الزّيارة السّنويّة لمقام خطيب الأنبياء سيّدنا شعيب، عليه السّلام، هي واحدة من أهمّ الفعّاليّات الدّينيّة والاجتماعيّة الّتي تتمتّع بمكانة فريدة في صفوف أبناء الطّائفة الدّرزيّة في البلاد خاصّة والمنطقة عامّة خصوصًا وأنّ آلاف المشايخ والزُّوار يجتمعون ويلتقون تحت راية واحدة وموحَّدة في رحاب هذا المقام الشّريف في أجواء تعبق بالإيمان والتّقاليد العريقة، حيث تُقام الصّلوات والشّعائر الدّينيّة ويُجدَّد العهد بالولاء لقِيَم التّوحيد والتّقوى والمحبّة.

وهذا العام تأتي الزّيارة السّنويّة لمقام سيّدنا شعيب، عليه السّلام، في ظلّ تحدّيات كبيرة تتأرجح بين الألم والأمل، بعد فترة عصيبة امتدّت لأكثر من عام ونصف، حيث واجهت الدّولة والطّائفة ظروفًا استثنائيّة فرضتها الحرب على أكثر من جبهة، فقدت خلالها الطّائفة الدّرزيّة في البلاد عددًا من خيرة أبنائها وشبابها الّذين بذلوا أرواحهم دفاعًا عن الدّولة والأرض والكرامة، وعليه وفي هذا السّياق، تحلّ الزّيارة هذا العام لتأخذ طابعًا مختلفًا، إذ تحمل في طيّاتها مشاعر متضاربة بين الحزن على من فُقدوا، والأمل في مستقبل أكثر استقرارًا في المنطقة.

 وانطلاقًا ممّا تقدّم فإنّ هذه الزّيارة وما تحمله في طيّاتها هي أكثر من مجرّد تقليد دينيّ، إنّها مناسبة تجمع بين الإيمان، الهويّة والتّواصل الاجتماعيّ. فرغم كلّ التّحديّات آنفة الذِّكر، تبقى وستبقى هذه الزّيارة، بعون الله جلّ جلاله، رمزًا للتّرابط الرّوحيّ والتّمسُّك بالقيم الّتي دعا إليها الّنبي شعيب، عليه السلام، وموقفاً للتّأمُّل والتّجديد الرّوحيّ وتجديد العهد بالسير على طريق الخير والحقّ النّابع من عقيدة ثابتة وإيمان راسخ فوق كلّ اعتبار، خصوصًا وأنّ هذه الزّيارة تحمل في طيّاتها تأكيدًا على التّمسُّك بالجذور ووحدة المصير والإصرار على الاستمرار قدمًا أيضًا. ورغم كون المحن والتّحديّات الّتي نواجهها اليوم ليست سهلة، لكنّها في الوقت ذاته تُبرِز قوّة وصمود الطّائفة الغرّاء أينما وُجدت في وجه الأزمات. فالزّيارة هذا العام ليست فقط مناسبة لإحياء التّقاليد، بل هي أيضًا فرصة للتّفكير في سبل تعزيز التّضامن الدّاخليّ والخارجيّ، ودعم صمود الأهل في سوريا، والعمل على تجاوز الصّعاب بروح من التّكاتف والإصرار على البقاء، وهنا لا بدّ من كلمة امتنان وثناء لكلّ الّذين لا يدّخرون جهدًا، ويقومون بتقديم الدّعم الكبير للطّائفة في سوريا لصونها والحفاظ عليها، وفي مقدّمتهم فضيلة الشّيخ ابو حسن موفق طريف الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدرزيّة والمجلس الدّينيّ الأعلى للطّائفة وآخرون وهم كثر، والحمد لله. وكم أثلجت صدري الزّيارة الّتي قام بها مؤخّرًا وفد من مشايخ الطّائفة الدّرزيّة في سوريا للبلاد والّتي شملت مقام سيّدنا شعيب الشّريف الّذي نحتفل في هذه الأيّام المباركة بالزّيارة السّنويّة له.

وكما يعلم القاصي والدّاني فإنّ الدُروز في سوريا يواجهون وضعًا خطيرًا وغير مستقرّ، حيث أصبحوا عالقين في قلب ولبّ الصّراعات الّتي تعصف بالمنطقة في الأعوام الأخيرة فالضّغوط الأمنيّة المتزايدة، والاضطرابات الاقتصاديّة، وحالة عدم اليقين السّياسيّ في هذا البلد جعلت من الحياة اليوميّة للسّكّان هناك معركة بحدّ ذاتها. وفي ظلّ هذه التّحدّيات والتّحوّلات وهذا الوضع الاستثنائيّ الخطير، يحاول أبناء الطّائفة هناك الحفاظ على وحدة صفّهم وهويّتهم، رغم الظّروف القاسية الّتي تهدّد أمنهم واستقرارهم. ولعلّ الأمر الّذي لا يختلف فيه عاقلان هو أنّنا نعوّل كما كان عبر التّاريخ على قيادات الطّائفة الدّينيّة والدّنيويّة الحكيمة في سوريا وفي كافّة الأماكن الأخرى الّتي أحسنت على مرّ الزّمن الجمع بين البعديْن الدّينيّ والدّنيويّ وكذلك تحقيق التّوازن بين التّقاليد الدّينيّة الرّاسخة والانخراط الفاعل في القضايا على كافّة الصّعد، ممّا ساهم في حماية المجتمع الدّرزيّ وتعزيز وضمان مكانته ضمن كلّ نسيج.

 لا يسعني في الختام إلّا أن أتمنّى لكلّ شيوخ وأبناء الطّائفة الدّرزيّة زيارة مقبولة وكلّ عام والجميع بألف خير.  

مقالات ذات صلة:

الصوفيّة ومذهب التوحيد

ظهر النزوع إلى التنسُّك والتقشُّف في القرن الثاني الهجري، التماسًا للتقرُّب من الله بالصلوات والتأمُّلان، وتحوّل إلى التصوُّف بالتعبُّد، وتصفية