الحدس (Intuition) هو القُدرة على تقبُّل وإرسال أفكار وإشارات مع الآخرين بدون تفكير مسبق، وإنّما من جرّاء اتخاذ قرار فوريّ نابع من داخل الإنسان. وهذا القرار لم يتمّ التّفكير به والاستعداد له وإنّما جاء كردّ فعل لسؤال أو اقتراح وليد ساعته من خلال رؤيا داخليّة للصّورة الكاملة. ويمكن القول إنّ الحدس هو علوم غريزيّة، فطريّة، تنبع من داخلنا بشكل تلقائيّ وبعفويّة على البديهة والسّليقة. وعادة لا يستطيع الإنسان أن يفسِّر لماذا اتّخذ هذا القرار وليس غيره لأنّ اتّخاذ القرار يكون تلقائيًّا وليس نتيجة تفكير مُسبق؟
ويشرح الأستاذ رجاء الصّانع تكوُّن الحدس بقوله: “الحدس لا يرتبط بالعاطفة بل بمهارات وأساليب التّفكير، وتحديدًا بمهارة التّقطيع العقليّة، كما أكدّ عليها العالم الاجتماعي هاربرت سايمون “chunkin” ويقصد به أنّ الدّماغ يقوم بتحويل المعرفة إلى أنماط، ويقوم بتجميعها وتصنيفها فيجمع التّجارب المتشابهة على هيئة أنماط متشابهة ويجمعها على هيئة “clusters” أيّ على شكل باقات معرفيّة في الذّاكرة الطّويلة المدى، وهنا يأتي نوع الشّخص فيما إذا كان بصريًّا يخزِّن المعرفة على شكل صور في ذهنه أو سمعيًّا تعلّق في ذاكرته الكلمات والأصوات، أو حسِّيًّا يحتاج إلى اللّمس أو الحركة أو مزيجًا متراكبًا من كلّ ذاك. وهنالك أشخاص يوظِّفون كلّ تلك التّقنيّات الحِسِّيّة ويدرّبون عقلهم. وقد يقوم الأشخاص بذلك التّدريب بغير أن يعرفوا فعليًّا أنّهم يدرّبون حواسهم، فهنالك أنواع من العمل تساعد على أن تدرِّب حواسك أكثر من غيرها من الأعمال، وهنالك بيئات تساعدك على هذا التّدريب أكثر من غيرها من البيئات الأخرى، وهنالك مواقف تستدعيك استخدام حواسك بشكل أكثر من غيرها…”. وعن الحدس الخارق كتب الأستاذ ابراهيم البليهي في صحيفة الرّياض قوله: “الحدس الخارق والصّائب هو ضوء يسطع في الذّهن فجأة وبقوّة فيفتح أبواب الحقيقة للباحثين ويَمُدُّ العاملين بالإلهام، وهو ذروة المصادر الأربعة الرّئيسيّة للمعرفة، ولكنّ هذا الحدس الخارق له ثمن رفيع وشروط صارمة أوّلها الاهتمام القويّ المستغرق، فإذا غاب الاهتمام أو ضعُفت العناية عميت البصيرة وتراجعت المهارة مهما بلغ ذكاء الإنسان ومهما بلغت جودة قابليّاته الكامنة، ولا تُجدي أيّة إجراءات رتيبة من خارج الذّوات يُستعان بها لحمل الدّارسين أو العاملين على الفهم الصّحيح أو الأداء المتقن إلّا إذا استهدفت الإجراءات تكوين عادة الاهتمام الشّديد والعناية الفائقة حتّى تتحوّل، مع التّكرار والانتظام، إلى عادة ذاتيّة راسخة يفيض منها السّلوك من داخل الفرد التزامًا وليست مفروضة من خارجه إلزامًا، فالاهتمام الذّاتيّ القويّ المستغرق هو مفتاح طاقات العقل في كافّة المجالات العلميّة والعمليّة، إنّ العناية الفائقة هي الّتي توحِّد طاقات الإنسان العقليّة والوجدانيّة فتمنح العقل قدرة النّفاذ وتُكسب الإنسان قدرة التّصرُّف السّليم كما تمنحه مهارة الأداء ودقّة الملاحظة وتُسهِّل له تجويد الإنتاج وغزارته”
وورد شرح في منتديات النّيل الازرق السّودانيّة عن الحدس يقول: “الحدس شعور تجاه أشخاص أو أحداث، إنّه منبِّه ينبّهنا إلى الخطر ويجعلنا نتنّبه من شيء ما أو شخص ما قد لا يكون دائمًا جيّدًا بالنّسبة لنا لأنّه يجعلنا نشعر بالقلق والتّوتّر من دون أسباب واضحة في بعض الأحيان. من دون شكّ، أن جميع الحواسّ تشترك مع بعضها البعض في هذا الحدس المباشر، ولكنّ الحدس هو، إذا صحّ التّعبير، رسالة في كافّة المعاني غير مرئيّة وغير محسوسة، إنّها فكرة تأتينا من اللاوعي. مع هذا الحدس نشعر بأنّ التّجارب من حولنا واضحة ومعروفة. نعرف مسبقًا ماذا يخبّئ لنا هذا الشّخص أو ذاك وماذا سيواجهنا على هذا الطّريق أو هذه المقابلة، بأنّ النّجاح سيكون حليفي أم أنّ الفشل مرسوم أمامي.”
وجاء في الموسوعة الحرّة: “الـحدس في الفلسفة يشير إلى نوع من المعرفة الّتي لا تستخدم المنطق والاختصاص. يمثّل شكلًا من أشكال المعرفة ليست من الضّروريّ تفسيرها بكلمات، عادة ما تأتي بطريقة خاطئة ومفاجئة، والّتي على أصلها تنقسم الآراء.
آلية الحدس تأتى من عمليّات السّبب والنّتيجة (cause-effect)، في حين، وفقًا لطريقة الأفلاطونيّة المحدّثة، الحدس كمنتج في العقل البشريّ لا يمكن تفسيره بعقلانيّة، يتعلّق بمعرفة فائقة الّتي تكمن في نفس منطق السّبب والنّتيجة، أيّ معرفة فطريّة ولا يتمّ الحصول عليها. بالنّسبة لأفلاطون وأرسطو، الحدس هو تصوُّر فوريّ للمبادئ الأولى، وبالتّالي تعبير عن معرفة أكيدة لأنّه فيها الفكر يصل مباشرة إلى محتوياته، بما أنّه الجمع بين الموضوع والشّيء، هذان المصطلحان، على الرّغم من تناقضهما فهم مكمِّلان لبعضهما البعض ومرتبطان ببعضهما”.